الاناء لا ينضح الا بما فيه

الإناء لا ينضح إلا بما فيه


«يمكنك أن تخدع بعض الناس كل الوقت، ويمكنك أن تخدع كل الناس بعض الوقت، لكن لا يمكنك أن تخدع كل الناس كل الوقت».
يمكن لأي شخص أن يدعي أي صفة كذبا، ويمكنه أحيانا أن يقنع الناس بكذبته، وإن كان حذقا ان يقنع نفسه إلى حد ما. من السهل على المرء لبس قناع يخفي حقيقته وراءه مادامت الأقنعة كثيرة ومتاحة، فهناك قناع المثقف، المتحرر، المتدين، الملتزم، المتحضر، الراقي، المهذب، الوطني، الليبرالي.. الخ.. وما على المرء الا ان يقوم بعدة ترتيبات ليتقن لعب الدور تبعا للقناع المطلوب كي يسوق نفسه من خلاله مثل: حفظ كلمتين (في العادة معقدتين ولهما ثقلهما)، مذاكرة بعض الاسماء والألقاب والعناوين، قراءة مقدمات الكتب وليس محتواها، التفوه بعبارات (فخمة) كمقولة لفيلسوف او عبارة من شخصية تاريخية، ارتداء ما يملي عليه الدور (بدلة، دشداشة قصيرة، بنطلون جينز، عباية، عمامة.. الخ)، حضور اجتماعات وندوات خاصة بقناعه (وليس قناعته).. وخلاص المسرحية جاهزة ونحن مشاهدو العرض.
اجتماعيا.. يستطيع اي انسان ان يقدم نفسه على انه انسان متعلم مثقف ويذيل اسمه بحرف الدال ويدعي التقدمية والعقل المتنور والانفتاح.. وفي لحظة حرجة ينفضح جهله. ويمكن لأحدهم ان يدعي الحب والإخلاص ويستميت في اظهار مشاعره نحوك، لينكشف وجهه الخائن بعد مدة وإن طالت، كما يمكن لاخر يدعي الوجاهة والاحترام، ويقول ويتقول عن نفسه واصله وفصله وعن مبادئه الراقية وتربيته السوية وفي لحظة غضب تنكشف سوقيته ومستواه المنحدر.
وعلى الصعيد الآخر، يمكن لأحدهم ان يدعي الليبرالية وينادي بالحرية والمساواة وتقبل الآخر، لتنكشف ازدواجيته عندما يأتي خطيب لابنته فيرفضه لأنه من مذهب مغاير او مستوى اجتماعي مختلف. ويستطيع آخر ان يطيل لحيته ويقصر ثوبه ولا يفتتح موضوعا الا بالبسملة والحمد والشكر والاستغفار، لتقع عمامته وتنفضح لعبته عندما تصل الامور الى حساباته الشخصية فيحلل هذا ويحرم ذاك تبعا لمصالحه السياسية وحساباته البنكية.
لابسو الاقنعة بمختلف نوعياتهم يمكنهم تمثيل مشاهدهم المسرحية وادوارهم حسب ما رسموها لأنفسهم ولمدة قد تطول، لكن لا بد ان يأتي اليوم الذي يسقط فيه القناع وينكشف وجههم البشع وتنفضح اخلاقهم.. لينضح الإناء بما فيه.