المولد النبوي .. حقائق ومغالطات
الحمدُ لله وكفى، والصّلاة والسّلام على عبده المصطفى صاحبِ المقام المحمود، والحوض المورود.
فما لا شك فيه أننا لا زلنا نعيش تداعياتِ الهجمةِ الشرسة التي طالت سيدَ ولد آدم عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم، والتي كانت فيها إساءة عظيمة للرحمة المهداة صلى الله عليه وسلم ، وبما أننا على أعتاب ما يسمى بـ ذكرى المولد النبوي!(!!)، أحببت أن أبيّن للمسلمين نوعا آخر من صور الإساءة إليه صلى الله عليه وسلم ــ وصور الإساءة إليه كثيرة وكثيرة جدًا ــ لربما غفل عنها كثير من المحبين له صلى الله عليه وسلم، فحملهم هذا الحب إلى الغلو فيه ــ بأبي هو وأمي ــ مخالفين بذلك أمره وتوجيهه صلوات الله وسلامه عليه.
فمن صور الإساءة للرسول صلى الله عليه وسلم: الابتداع في دينه، وفي شرعته الكاملة؛ التي أكملها الله أتم إكمال، وأتمها أكمل إتمام (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْأِسْلامَ دِيناً فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ)(المائدة: من الآية3) ، والابتداع أمر خطير حذر منه صلى الله عليه وسلم في كثير من أحاديثه الشريفة؛ كمثل قوله صلى الله عليه وسلم: "إياكم ومحدثات الأمور؛ فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة". رواه أحمد، وأبو داود، والترمذي، وابن ماجه.
ومما لا شكّ فيه، ولا ريب يعتريه أن الابتداع في الدين أمر مناقض للشق الثاني من شهادة التوحيد؛ ألا وهو: أشهد أنّ محمدًا رسولُ الله!، كما أن الإشراك مناقض الشق الأول من هذه الشهادة العظيمة ألا وهو: أشهد أنْ لا إله إلا الله!، وهذان الأمران ــ أعني الشركَ والابتداعَ في الدين ــ أعظم المصائد والعقبات التي ينصبها الشيطان للإيقاع بعباد الله
قال الإمام ابن قيم الجوزية : في كتابه المعطار "مدارج السالكين"(1/175): "فإنه (أي: الشيطان) يريد أن يظفر به (أي: بالعبد) في عقبة من سبع عقبات، بعضها أصعب من بعض، لا ينزل منه من العقبة الشاقة إلى ما دونها إلا إذا عجز عن الظفر به فيها.
العقبة الأولى: عقبة الكفر بالله، وبدينه، ولقائه، وبصفات كماله، وبما أخبرت به رسله عنه فإنه إن ظفر به في هذه العقبة؛ بردت نار عداوته واستراح، فإن اقتحم هذه العقبة، ونجا منها ببصيرة الهداية وسَلِمَ معه نور الإيمان طلبه على
العقبة الثانية: وهي عقبة البدعة؛ إما باعتقاد خلاف الحق الذي أرسل الله به رسوله، وأنزل به كتابه، وإما بالتعبد بما لم يأذن به الله؛ من الأوضاع والرسوم المحدثة في الدين، التي لا يقبل الله منها شيئا، والبدعتان في الغالب متلازمتان، قَلَّ أن تنفك إحداهما عن الأخرى، كما قال بعضهم تزوجت بدعة الأقوال ببدعة الأعمال، فاشتغل الزوجان بالعرس، فلم يفجأْهم إلا وأولاد الزنا يعيثون في بلاد الإسلام، تضج منهم العباد والبلاد إلى الله تعالى. وقال شيخنا (أي: شيخ الإسلام ابن تيمية): تزوجت الحقيقة الكافرة، بالبدعة الفاجرة، فتولد بينهما خسران الدنيا والآخرة. فإن قطع هذه العقبة، وخلص منها بنور السُّنّة، واعتصم منها بحقيقة المتابعة، وما مضى عليه السلف الأخيار؛ من الصحابة والتابعين لهم بإحسان، وهيهات أن تسمح الأَعصَار المتأخرة بواحد من هذا الضَرب! فإن سمحت به نَصَب له أهل البدع الحبائل، وبَغَوْه الغوائل، وقالوا مبتدع مُحْدِث، فإن وفقه الله لقطع هذه العقبة طلبه على
العقبة الثالثة: وهي عقبة الكبائر.......". والحقيقة لا يسعنا بعد هذا الكلام المحكم المتين إلا أن نقول: إن المحتفلين بما يسمي ذكرى المولد النبوي! قد وقعوا في العقبة الثانية من العقبات التي نصبها الشيطان للإيقاع بعباد الله أ؛ ألا وهي: عقبة البدعة، فمما لا ريبَ فيه ولا شك يعتريهِ أن الاحتفال بذكرى المولد النبوي بدعة مُحْدَثة قبيحة ــ وليست حسنةً كما يحلُوا للبعض أن يسمِّيَها ــ لم يفعلها الرسول صلى الله عليه وسلم، ولا الصحابة، ولا التابعون، ولا كانت في القرون الثلاثة المفضلة التي شهد لها صاحب هذا المولد(!!) بالخيرية والأفضلية، وهذا محل اتفاق بين المنكرين لبدعة المولد والمؤيدين لها، فقد قال الشيخ ظهير الدين جعفر التِّزْمَنْتِي(المتوفى سنة 628هـ) مبينا حكم المولد: "هذا الفعل لم يقع في الصدر الأول من السلف الصالح، مع تعظيمهم، وحبهم له ــ أي: للنبي صلى الله عليه وسلم ــ إعظاما ومحبة لا يبلغ جمعُنا الواحدَ منهم، ولا ذرة منه". نقلا من كتاب "الحكم الحق في الاحتفال بمولد سيد الخلق صلى الله عليه وسلم"(ص27) لشيخنا علي بن حسن الحلبي حفظه الله.
بل الحقيقة أن التاريخ أكبر شاهد على أن هذه البدعة إنما أحدثت في أواخر القرن الهجري الرابع!! بعد أن قامت الدولة العبيدية الفاطمية الباطنية، المنتسبة زورا وبهتانا إلى فاطمة رضي الله عنه؛ فقد قال تقي الدين المقريزي : في "المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار" (1/490) تحت عنوان (ذكر الأيام التي كان الخلفاء الفاطميون يتخذونها أعياداً ومواسم تتسع بها أحوال الرعية وتكثُرُ نعمُهم): "كان للخلفاء الفاطميين في طول السنة أعياد ومواسم؛ وهي: موسم رأس السنة(!!)، وموسم أول العام، ويوم عاشوراء، ومولد النبي صلى الله عليه وسلم.....".
وقال مفتي الديار المصرية سابقاً الشيخ العلامة محمد بخيت المطيعي : في كتابه "أحسن الكلام فيما يتعلق بالسُّنّة والبدعة من الأحكام"(ص44):"مما أحدث، وكثر السؤال عنه: (الموالد): فنقول: إن أول من أحدثها بالقاهرة الخلفاء الفاطميون، وأولهم المعز لدين الله.....".
وقال الشيخ علي محفوظ : ــ وهو من كبار علماء مصر ــ في كتابه "الإبداع في مضار الابتداع"(ص231): "قيل: أول من أحدثها ــ أي الموالد ــ بالقاهرة الخلفاء الفاطميون في القرن الرابع، فابتدعوا ستة موالد: المولد النبوي، ومولد الإمام علي رضي الله عنه، ومولد السيدة فاطمة الزهراء ل، ومولد الحسن والحسين ب، ومولد الخليفة الحاضر، وبقيت هذه الموالد على رسومها إلى أن أبطلها الأفضل ابن أمير الجيوش، ثم أعيدت في خلافة الآمر بأحكام الله في سنة أربع وعشرين وخمسمائة بعدما كاد الناس ينسونها، وأول من أحدث المولد النبوي بمدينة إربل الملك المظفر أبو سعيد في القرن السابع(!!)، وقد استمر العمل بالموالد إلى يومنا هذا، وتوسع الناس فيها، وابتدعوا بكل ما تهواه أنفسهم، وتوحيه إليهم شياطين الإنس والجن". قلت: من النفحات الشيعية الخطيرة التي سَرَت فينا معاشر أهل السنة: تخصيص الخليفة الراشد علي بن أبي طالب بوصف (الإمام)، دون بقية سابقيه من الخلفاء الراشدين؛ وهم بلا شك أحق منه وأجدر بهذا الوصف. وكذلك وصف فاطمة ل بـ (الزهراء)(!!)؛ وهو مما لم يثبت مبنًى ولا معنًى.... والله المستعان.
ومن المغالطات في هذا الباب ــ والمغالطات جمّة!! ــ أن المُبتلينَ بإحياء مناسبة ذكرى المولد النبوي بلغوا مبلغا عظيما في الإساءة لإخوانهم المنكرين لهذه المناسبة؛ فوصفوهم بكُرْهِ الرسول صلى الله عليه وسلم، وعدم محبته، والحقيقة أن المعيار الذي يُعرف به المحب للرسول صلى الله عليه وسلم ليس الاحتفال بمولده صلى الله عليه وسلم، وما أشبهه من المناسبات، وإنما تكمن محبته صلى الله عليه وسلم: بتصديقه فيما أخبر، وطاعته بما أمر، والانتهاء عما نهى عنه وزجر، وأن لا يعبد الله إلا بما شرع عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم؛ وهذا هو عين الحب والإجلال للنبي ج الذي ينال بسببه العبدُ محبةَ ربه سبحانه وتعالى (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (آل عمران:31)
، ولله درُّ الشاعر إذ يقول: تعصي الإله وأنت تزعم حبه هذا لعمري في القياس بديع لو كان حبك صادقًا لأطعتـه إنَّ المحب لمن يحب مطيع ومن المغالطات أيضا في هذا الصدد اعتماد المحتفلين بذكرى المولد النبوي على اليوم الثاني عشر من ربيع الأول معتبرينه اليومَ الذي ولد فيه النبي صلى الله عليه وسلم، والحقيقة التي ينبغي أن تشاعَ وتذاعَ أن العلماء مختلفين اختلافا قويا في تحديد تاريخ ولادته صلى الله عليه وسلم متى كان، مع اتفاقهم وإجماعهم على أنه ولد يوم الإثنين، وللعلماء في ذلك أقوال: فقيل: لليلتين خلتا من شهر ربيع الأول، قاله ابن عبد البر في "الاستيعاب"، وقيل: لثمان خلون منه، حكاه الحُميدي عن ابن حزم، وقيل: لعشر خلون منه، نقله ابن دحية في كتابه "التنوير في مولد البشير النذير"، وقيل: لثنتي عشرة خلت منه، نص عليه ابن إسحاق، وهذا هو المشهور عند الجمهور. وقيل: في رمضان!!، وعلى خلاف أيضا في تحديد تاريخه. فانظر هذه الأقوال في "البداية والنهاية"(2/265)، و"المعيار المعرب"(7/100) للونشريسي.
قال الإمام العلامة الألباني : في "صحيح السيرة النبوية" حاشية(ص13): "وأما تاريخ يوم الولادة؛ فقد ذُكر فيه وفي شَهْره أقوال ذكرها ابن كثير في الأصل، وكلها معلقة ــ بدون أسانيد ــ يمكن النظر فيها ووزنها بميزان علم مصطلح الحديث؛ إلا قول من قال: إنه في الثامن من ربيع الأول. فإنه رواه مالك بسند صحيح عن محمد بن جبير بن مُطعِم، وهو تابعي جليل، ولعله لذلك صحح هذا القول أصحاب التاريخ واعتمدوه، وقطع به الحافظ الكبير محمد بن موسى الخوارزمي، ورجحه أبو الخطاب بن دحية، والجمهور على أنه في الثاني عشر منه. والله أعلم".
وقال الإمام العلامة ابن عثيمين : في "مجموع فتاواه ورسائله"(6/200): "أيها المسلمون إن بدعة عيد المولد التي تقام في شهر ربيع الأول في الليلة الثانية عشرة منه ليس لها أساس من التاريخ؛ لأنه لم يثبت أن ولادة النبي صلى الله عليه وسلم كانت تلك الليلة، وقد اضطربت أقوال المؤرخين في ذلك؛ فبعضهم زعم أن ولادته في اليوم الثاني من الشهر، وبعضهم في الثامن، وبعضهم في التاسع، وبعضهم في العاشر، وبعضهم في الثاني عشر، وبعضهم في السابع عشر، وبعضهم في الثاني والعشرين؛ فهذه أقوال سبعة ليس لبعضها ما يدل على رجحانه على الآخر، فيبقى تعيين مولده صلى الله عليه وسلم من الشهر مجهولا إلا أن بعض المعاصرين حقق أنه كان في اليوم التاسع".
وقال صفي الرحمن المباركفوري في "الرحيق المختوم"(ص71): "وُلِـد سيـد المرسلـين صلى الله عليه وسلم بشِعْب بني هاشـم بمكـة في صبيحـة يــوم الاثنين التاسع مـن شـهر ربيـع الأول، لأول عـام مـن حادثـة الفيـل، ولأربعـين سنة خلت من ملك كسرى أنوشروان، ويوافق ذلك عشرين أو اثنين وعشرين من شهر أبريل سنة 571 م، حسبما حققه العالم الكبير محمد سليمان ـ المنصورفورى ـ ". ولعل هذا الاختلاف في تاريخ مولده صلى الله عليه وسلم هو الذي حمل الملك المظفر أبو سعيد كوكبوري صاحب إربل على أن يحتفل بذكرى المولد سنة في الثامن من شهر ربيع الأول، وسنة في الثاني عشر منه (!!!) كما ذكر ذلك غير واحد ممن صنّف في التاريخ الإسلامي؛ فانظر "وفيات الأعيان"(2/292). أخي القارئ الكريم إن مغالطات المحتفلين بهذه الذكرى كثيرة لا تُحدّ ولا تُعدّ؛ ولو أتينا عليها جميعها لطال بنا المقام، ولكني أختم هذا البحث مزيّنًا إياه بفتاوى الفحول الكبار من العلماء (إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ) (قّ:37).
فتاوى جهابذة أهل العلم في الاحتفال بالمولد النبوي:
1) قال العلامة أبو حَفْص تاج الدين الفاكِهاني : ــ المتوفى سنة(734هـ) ــ في كتابه "المَورد في عمل المولد" ضمن "رسائل في حكم الاحتفال بالمولد النبوي": "فقد تكرر سؤال جماعة من المُبارَكين عن الاجتماع الذي يعمله بعض الناس في شهر ربيع الأول، ويسمونه: (المولد): هل له أصل في الشرع ؟ أو هو بدعة وحدث في الدين ؟ وقصدوا الجواب عن ذلك مٌبيَّنًا، والإيضاح عنه معينًا. فقلت ــ وبالله التوفيق ــ: لا أعلم لهذا المولد أصلاً في كتاب ولا سنّة، ولا ينقل عمله عن أحد من علماء الأمة، الذين هم القدوة في الدين، المتمسكون بآثار المتقدمين، بل هو بدعة أحدثها البطَّالون، وشهوةُ نفسٍ اغتنى بها الأكَّالون....".
2) قال العلامة ابن الحاج : ــ المتوفى سنة(737هـ) ــ في كتابه "المدخل"(2/11ـ 12): "إن ذلك زيادة في الدين ليس من عمل السلف الماضين، واتباع السلف أَوْلى ــ بل أوجب ــ من أن يزيد نية مخالفة لما كانوا عليه، لأنهم أشد الناس اتباعًا لسنة رسول الله ج، وتعظيما له ولسنته صلى الله عليه وسلم، ولهم قَدَم السَّبق في المبادرة إلى ذلك، ولم ينقل عن أحد منهم أنه نوى المولد، ونحن لهم تبع، فيسعنا ما وسعهم، وقد عُلِمَ أن اتباعهم في المصادر والموارد".
3) قال الإمام الشاطبي : ــ المتوفى سنة(790هـ) ــ في "فتاواه"(ص203 ـ 204): "فمعلومٌ أن إقامة المولد على الوصف المعهود بين الناس بدعةٌ محدثةٌ، و كلُّ بدعة ضلالة، فالإنفاق على إقامة البدعة لا يجوز، والوصيَّة به غير نافذة، بل يجب على القاضي فسخُه، و ردُّ الثلث إلى الورثة؛ يقتسمونه فيما بينهم، وأبعد الله الفقراء الذين يطلبون إنفاذ مثل هذه الوصيّة".
4) قال العلامة محمد بن إبراهيم : ــ المتوفى سنة(1389هـ) ــ في "مجموع فتاواه ورسائله"(3/54): "لا شك أن الاحتفال بمولد النبي ج من البدع المحدثة في الدين، بعد أن انتشر الجهل في العالم الإسلامي، وصار للتضليل والإضلال، والوهم والإيهام، مجال عميت فيه البصائر، وقوي فيه سلطان التقليد الأعمى، وأصبح الناس في الغالب لا يرجعون إلى ما قام الدليل على مشروعيته، وإنما يرجعون إلى ما قاله فلان وارتضاه علان، فلم يكن لهذه البدعة المنكرة أثر يذكر لدى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا لدى التابعين، وتابعيهم....". وللشيخ : أبحاث قوية في هذا الجانب ــ بل له رسالة مستقلة في هذا الباب ــ فلتُراجَع في "مجموع فتاواه ورسائله" الجزء الثالث.
5) قال العلامة الإمام عبد العزيز بن باز : ــ المتوفى سنة(1420هـ) ــ في "مجموع فتاوى ومقالات متنوعة"(4/289): "ليس للمسلمين أن يقيموا احتفالا بمولد النبي صلى الله عليه وسلم في ليلة 12 ربيع الأول ولا في غيرها، كما أنه ليس لهم أن يقيموا أي احتفال بمولد غيره عليه الصلاة والسلام؛ لأن الاحتفال بالموالد من البدع المحدثة في الدين؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يحتفل بمولده في حياته صلى الله عليه وسلم، وهو المبلغ للدين والمشرع للشرائع عن ربه سبحانه، ولا أمر بذلك، ولم يفعله خلفاؤه الراشدون، ولا أصحابه جميعا، ولا التابعون لهم بإحسان في القرون المفضلة؛ فعلم أنه بدعة...".
فهذه بعض فتاوى أهل العلم في هذه المسألة، وهذا غَيْض من فَيْض، ونقطة من بحر لُجِّي، ومن رام البسط فليرجع إلى الكتب التالية:
"المَورد في عمل المولد" للعلامة الفاكهاني :، و"الرد القوي على الرفاعي والمجهول وابن علوي وبيان أخطائهم في المولد النبوي" للعلامة حمود التويجري :، و"القول الفصل في حكم الاحتفال بمولد خير الرسل صلى الله عليه وسلم" للعلامة إسماعيل الأنصاري :، و"الحكم الحق في الاحتفال بمولد سيد الخلق صلى الله عليه وسلم" لشيخنا علي بن حسن الحلبي حفظه الله.
وختامًا إنّ مما ينبغي أن يقال: "إنّ الشهر الذي ولد فيه النبي صلى الله عليه وسلم ــ وهو ربيع الأول ــ هو بعينه الشهر الذي توفي فيه، فليس الفرح بأولى من الحزن فيه"، وإن اليوم الذي ولد فيه ــ وهو الإثنين ــ هو بعينه اليوم الذي امتنّ الله فيه على الأمة ببعثته صلى الله عليه وسلمــ وهي المِنّة العظمي التي لا تساميها أي مِنّة أخرى ــ قال تعالى: (لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ) (آل عمران:164) "
ولو قيل ــ أيضا ــ: الاحتفال بالبعثة المحمدية أَوْلى ــ وأَوْلى ــ أن يهتم به الصالحون! لكان هذا أقرب(!) إلى الحق المأمون... فلماذا لا يفعلون؟! وما الضابط فيما يعملون، أو يتركون؟! ولماذا على غيرهم ينكرون؟!".