[b][center]الاسراف
الله سبحانه وتعالى حين يحر م سيئا فمن المؤكد أنه محدود بالنسبة الى ما أحله سبحانه ٬ فالمحر م
قليل ٬ وبقية مالم يحرمه الله هو الكثير واقرأ قول الله تعالى:{ قل تعالوا أتل ما حر م ربكم عليكم ٬ ألا
تشركوا به شيئا وبالوالدين احسانا ٬ ولا تقتلوا أولادكم من املاق ٬ نحن نرزققكم واياهم ولا تقربوا
الفواحش ما ظهر منها وما بطن ولا تقتلوا النفس التي حر م الله الا بالحق ٬ ذلكم وص اكم به لعلكم
تعقلون ولا تقربوا مال اليتيم الا بالتي هي أحسن حتى يبلغ أشده وأوفوا الكيل والميزان بالقسط ٬ لا
نكلف نفسا الا وسعها ٬ واذا قلتم فاعدلوا ولو كان ذا قربى وبعهد الله أوفوا ٬ ذلكم وص اكم به لعلكم
. تذك رون} الأنعام 152 ٬151
ان الحق سبحانه يورد المحرمات وهي أشياء محددة محدودة ٬ أما النعم فهي جليلة عظيمة اكثر من أن
تحصى وتعد ٬ ومن هذا الأمر نعرف سعة رحمانية الحق بالخلق ٬ لقد خلق سبحانه الكثير من النعم ولم
يحرم الا القليل ٬ وسبحانه حين حر م؛ حر م لتبقى كل نعمة في مجالها فاذا ما جاء انسان وقال: ان الله
قد حر م هذا الشيء لأنه ضار ٬ نقول له: ان ما تقوله أمر جائز ولكن هذا الضرر سبب الحكم بكل
المحرمات فقد يحر م الله سبحانه أمرا لتأديب قوم ما ٬ فلو نظرنا نحن الى واقعنا مقلا نجد أبا مسؤولا
عن تربية أولاده قد يحر م على ولد فيهم لونا من الطعام أو جزءا من مصروف اليد ويكون القصد من
ذلك العقوبة.
وكذلك نرى أن بني اسرائيل استحقوا عقوبة التحريم لأنه جاءوا من خلف منهج الله وأحلوا لأنفسهم
ما حر م الله ٬ فكأن الله سبحانه يقول لهم: لقد اجترأتم على ما حرمت فحللتموه ٬ لذا فأنا أحرم عليكم ما
أحللته لكم من قبل ذلك ٬ لماذا؟
حتى لا يفهم انسان أنه بتحليله لنفسه ما حرم الله قد أخذ شيئا من وراء الله.. لا ٬ ان أحدا لا يمكنه أن
يغلب الله سبحانه ٬ فالله سبحانه قج يحرم عليك شيئاكان حلالا ٬ ولهذا فالتحريم اما أن يكون تحريم
طبع أو تحريم فطرة.
فنحن نجد الرجل الذي أسرف على نفسه في تناول محرمات كالخمر مثلا ثم بعد أن أخذت بجسده
ذهب الى الطبيب فقال له ان شربتها ثانية سينتهي كبدك ٬ ثم يمنعه عن أصناف كثيرة من الطعام
والشراب فهذا ظلم من الانسان لنفسه نتج عنه تحريم أشياء عليه ٬ ان مثل هذا الانسان قد استحل ما
حرم الله فحرم الله عليه بالطبع والتكوين والسنة الكونية أمورا كانت حلالا له.
ورجل آخر أسرف على نفسه في تناول صنف مع ين من الطعام كالسك ر مثلا فوق ما تدعو اليه
الحاجة فكأن سنة الله الكونية تقول له: لقد أخذت من السكر أكثر من حاجتك وبسبب ذلك صرت
مريضا فاياك أن تتناول السكريات مرة اخرى ٬ ويضل المريض بالسكر يشتهي الحلوى ٬ ويملك
القدرة على شرائها ولكنها ممنوعة عليه ٬ وكأن الحق سبحانه وتعالى يقول له: بظلم منك لنفسك
حرمت على نفسك ما أحللته لك.
وآخر يملك الثروات والخدم والمزارع الشاسعة ويقوم له الآخرون بطحن الغلال ٬ ويأمر بأن يصنع
له الخبز من أنقى أصناف الدقيق الخالي من الردة ويصنعون الخبز الأبيض ويأكل منه ٬ بينما الأتباع
يصنعون لأنفسهم الخبز من الدقيق الأقل نقاوة فكأن سنة الله الكونية تقول له: أنت ستأكل الخبز
المصنوع من الدقيق الفاخر ٬ وليأكل عمالك ورعاياك الخبز المصنوع من أفخر أنواع الدقيق ٬ وكأن
الله تعالى يقول له: فبظلم منك حرمنا ما أحل لك.
اذن ٬ فالانسان منا عندما يرى انسانا آخر حرم من نعم الله التي هي حلال فليعلم أن ذلك الانسان سبق
وأن أحل ما حرم الله عليه ٬ أو ظلم نفسه بالاسراف في شيء كانت الفطرة والطبع تقتضيان الاعتدال
فيه ٬ ان أحدا منا لا يفلت من رقابة الله ٬ والتحريم يكون بالتشريع اذا كانت العقوبة من المشر ع ٬ وقد
يكون تحريما بالطبع ٬ وهذا ان كان في الأمر اسراف من النفس ٬ ولنقرأ دائما قول الله تعالى:{ فبظلم
. من الذين هادوا حرمنا عليهم طيبات أحلت لهم وبصد هم عن سبيل الله كثيرا} النساء 160
وكذلك الذي يأخذ مالا بالربا ٬ انه يأخذه ليزيد ماله ٬ هنا نقول له: لماذا تريد المال؟ أتريده لذات المال
أم لهدف آخر؟ المال رزق ٬ ولكنه رزق غير مباشر ٬ لأنه بشتري الأشياء التي ينتفع بها الانسان وهي
الرزق المباشر ٬ نقول: هب أن انسانا في صحراء ومعه جبل من الذهب لكن الطعام انقطع عنه ٬ ان
جبل الذهب في مثل هذه الحالة لا يساوي شيئا بل يصبح رغيف الخبز وكوب الماء أغلى من الهب.
اذن ٬ فالمال رزق لكنه غير مباشر يأتي بالرزق المباشر. والذي يزيد ماله بالربا ٬ هل يريد تلك
الزيادة من أجل المتعة؟ فليعلم أن الله سبحانه يمحق ذلك ويزيل المال في الكوارث.
ان الانسان اذا أراد أن يبقى له ما أحل الله الى أن يأتي أجله فعليه ألا يستبيح أي شيء حرمه الله ٬
وبذلك يظل مستمتعا بنعم الله عليه.