في سن الثالثة والرابعة أي سن الطفولة المبكرة، يتمرد الطفل البشري ويدمن ترديد كلمة "لا" في وجه أي طلب من طرف والديه حتى لو كان في صالحه بنسبه مائة في المائة ، وهذا التمرد المبكر الذي يربك الوالدين هو تمرد لأسباب نفسية تتمحور حول الميل إلى عصيان الأوامر والنواهي المملة المتكررة ومحاولة إثبات الذات! وفي سن الثالثة عشرة والرابعة عشرة أي سن المراهقة يتمرد الصبي ويدمن تريد كلمة "لا" بصورة تزعج والديه وهذا الضرب من التمرد يدخل في خانة إثبات الذات ومحاولة التحرر من مرحلة الانقياد والدخول إلى مرحلة القيادة واستقلالية الرأي والتصرف! ومن الملاحظ أن تمرد الطفولة وتمرد المراهقة لا ينحصران في الطفل البشري ، فبعض الحكومات في شمال الكرة الأرضية وفي جنوبها تتسم بضروب من تطرف الطفولة والمراهقة السياسية التي تحير المراقبين السياسيين في كل أنحاء العالم!
فعندما ركبت كل من أمريكا والصين والهند رأسها واستخدمت كلمة "لا" وتمسكت بأنانيتها الاقتصادية المفرطة فشل مؤتمر كوبنهاجن للبيئة في الخروج ببيان ختامي يحتوي على قرار دولي ملزم قانوناً لكل دول العالم الصناعية بتخفيض نسب انبعاثات ثاني أكسيد الكربون الضارة المسببة للكوارث الطبيعية وبعدها بأيام دُفنت أوربا وأجزاء من أمريكا بطبقات من الجليد قتلت المئات واجتيحت الصين والهند بعدد من العواصف والفيضانات شردت مئات الآلاف ثم ضُربت هايتي الصغيرة الفقيرة بزلزال مدمر قتل ما لا يقل عن مائة وعشرين ألف بني آدم وأصاب أكثر من مئتين وخمسين ألف وأجبر أكثر من مليون مواطن هايتي على العيش في العراء وسط قطعان من اللصوص الذين ينهبون منهم ما حصلوا عليه بشق الانفس من غذاء وماء ودواء من منظمات الاغاثة الدولية، فهل فهم قادة العالم أن "لا" المراهقة السياسية في كوبنهاجن هي التي تسببت في وقوع كل تلك المآسي الإنسانية الفادحة؟!
وحينما تصدر بعض التصريحات الدولية المتفائلة التي تنفي استمرار الأزمة المالية العالمية وتدعي أن مؤشرات تعافي الاقتصاديات الرئيسية في العالم قد بدأت في الظهور بقوة بينما تؤكد الأرقام الجافة التي لا تعرف الكذب ولا المجاملة أن أعداد البنوك والشركات التي أفلست في أزدياد وأن أعداد العاطلين عن العمل في ارتفاع في الدول الكبرى، ألا تنطوى "لا" النفي هذه على تمرد طفولي على الحقائق القاتمة الثابتة على الأرض؟!
وعندما يتم شن الحروب الأممية من قبل حلف الناتو بإسم مكافحة الإرهاب ونشر الديمقراطية ولا يتم إحراز أي انتصار عسكري حاسم على الأرض وتقع هزائم استخباراتية كبرى بسبب الفشل في كسب معارك القلوب والعقول في هذه الدولة أو تلك، ألا يشكل نفي الفشل ضرباً خطيراً من ضروب المراهقة السياسية التي يترتب عليها فقدان المزيد من الأرواح وتحطم الكثير من الهيبات العسكرية؟!
وحينما تسمح بعض الحكومات الفاشلة في دول الجنوب لمجرمي الحرب من دول الشمال بدفن النفايات الالكترونية السامة في بلادها ثم تكتشف مصادر أجنبية خيوط الجريمة الدولية ثم تصدر "لا" النفي من قبل الحكومة الوطنية الفاسدة التي استهدفت سلامة شعبها مقابل حفنة من الأموال القذرة ألا تنطوي هذه "اللا" العبثية على مراهقة سياسية مدمرة؟!
وعندما يطلع البشر على الاحصاءات العالمية المخيفة التي تثبت أن العالم ينفق مئات المليارات على شراء الأسلحة الفتاكة التي تؤدي في نهاية المطاف إلى سقوط ملايين الضحايا كل عام في بؤر النزاعات المسلحة في العالم ولا ينفق سوى عشرات المليارات على التعليم والصحة ثم يسمعون تصريحات دولية مفادها أنه "لا" يُوجد خطر على السلام العالمي ثم يتم منح جائزة نوبل للسلام للرئيس الأمريكي أوباما في ذات الوقت الذي تشتبك فيه الجيوش الأمريكية في حربين مدمرتين في أفغانستان والعراق ، ألا تعتبر "لا" النفي السياسية هذه ضرباً من الجنون السياسي المطبق وتثبت في ذات الوقت أن مقولة إينشتاين التي مفادها "إن هناك شيئان لا حدود لهما هما الكون والغباء البشري" هي مقولة صحيحة بنسبة مائة في المائة؟!
من المؤكد أن "لا" النفي السياسي هي من أغبى أنواع اللاءات لأنها تحاول أن تنفي واقع ثابت على الأرض ولأنها تجنح إلى الاستهانة بالذكاء الشعبي الذي لا تفوته شاردة ولا واردة مهما بلغت سعة حيلة الحكومات ودهاء أجهزة استخباراتها ، ولعل المفارقة الكبرى تكمن في أن معظم الأطفال والمراهقين من بني البشر قد يتخلصون من "لاءات " العصيان والتمرد عند بلوغ سن الرشد البشري وفهمهم لتعقيدات الحياة ولكن بعض الحكومات المكابرة بطبعها وطبيعتها لا تبلغ سن الرشد السياسي أبداً لأسباب غير مفهومة على الإطلاق!