elnaggar زهرة ماسية
تاريخ التسجيل : 30/12/2009 العمر : 45
| موضوع: ولكن بقي رب عادل الأربعاء مارس 17, 2010 11:32 am | |
|
بُـــدور
أقبلت ابنتي بدور يسبقها صوت كتغريد الطيور وما أن التفتُّ إليها فإذا بها تجري نحوي بسرعة رافعة يديها
ضممتها بقوة وتحسست أطراف أصابتها تخترق جسمي أغمضت عينيّ حمدت الله نعمٌ كثيرةٌ
زوج وطفلة وسعادة ورافة الظلال
تذكرت تلك الأيام الأولى وأنا لازلت في المرحلة الثانوية ولكن بحكم القرابة وافق الأهل سنوات مضت من تلك اللحظة التي علمت بأن عادل تقدم لخطبتي
كانت قلوب الكثيرات تتمناه جمع بين حُسن الخلق والدين
· بعد انتظار طويل تمّ عقد الزواج بعد أن نلت شهادتي الجامعية بدأنا نفكر في المستقبل
ونحن في بداية الطريق والآمال كبيرة والطموحات كثيرة تم التعاقد معه للعمل في المملكة
سافر وحده وبقي في غربته وأنا وحيدةٌ في غربتي بعد عام ونصف من بعد المسافات ومن الشوق والحنين
قدمت إليه وكلي خوفٌ من الغربة الجديدة وخوف من الوحدة كيف سأعيش بعيدة عن أهلي وأقاربي
ولكن تذكرت أن هناك زوجاً ينتظرني ذا خلقٍ ودين ما حلمت به في منامي ويقظتي من صفات وجدتها فيه حُسن المعاشرة لينُ الجانب بشاشة الوجه صفاءُ النفس صدق الحديث منحني من الحنان أوفره ومن العطف أكثر جمعت بيننا الغربة ونمتْ في قلوبنا المودة
أشياءه البسيطة أحببتها
أحياناً يطلب كأساً من الماء أو الشاي يُتبعه الثناء والشكر عجبتُ من أدبه وحسن تعامله
قلت له : لا تشكرني على خدمتك هذا واجبي نحوك ولكنه كان يغمرني بطيب أخلاقه
حمدت الله وشكرته أن زوجني بزوج مسحَ دموع الغربة وعوضني فقد من أحب
كان لي نعم الزوج والأب والأهل
وأنا في الشهور الأخيرة من حملي لم يرهقني بطلب ولم يأمرني بما لا أستطيع بل كان يقدم لي سؤالاً قبل طلبه
هل أنت مرهقة ؟
هل أنت متعبة؟
كان يشاركني فَرحَه وحُلمه ويقول إن رزقنا الله طفلاً سنسميه بلالاً كان يحب بلالاً مؤذن رسول الله صلى الله عليه وسلم
تمر الأيام الأخيرة للحمل وأضع طفلة كالبدر أسميناها بدور سألته يوماً وهو يداعبها
هل أنت حزين لأنها أتت بدور ولم يأت بلال ؟
قال لي : إن هذا رزق الله (يهب لمن يشاءُ إناثاً ويهب لمن يشاءٌ الذكور) ومن رزقنا بدوراً يرزقنا بلالاً إن شاء الله
الحمد لله ظِلُّ السعادة يزيد وشجرة المحبة تكبر وتنمر ومن نِعم الله علينا قدومنا إلى هذه البلاد حيث دروس العلماء والمحاضرات والندوات وحتى مجتمع المدرسة مجتمع تناصح وخير أهدتني زميلة لي في المدرسة شريط " أيتها المرأة الحجاب أو النار " لأحد العلماء
بمجرد سماعي لهذا الشريط هداني الله لغطاء وجهي كان زوجي يفرح بسماع أذان الفجر يهب من فراشه مسرعاً يوقظني ويخرج للصلاة وكانت وصيته لي وأنا ذاهبة للمدرسة أنت مربية الأجيالعليك بإلاخلاص و احذري الغيبة والنميمة إن كان في حديثك خيرٌ فتحدثي لا خير في حديث تندمين عليه يوم القيامة
في ذهابنا وعودتنا غالباً نسمع شريطاً لأحد العلماء مرت الأيام حلوة جميلة كهبات نسيم معطرة
وفي يوم مثل بقية الأيام ذهبت للمدرسة وعندما خرجت بعد صلاة الظهر من المدرسة رأيته على غير عادته لاحظت تعبه وإرهاقه قلت ماذا بك ؟؟
قال مرهق وأحس بدوار في رأسي وعندما وصلنا إلى المنزل جهزت له طعام الغداء
لم يستطع أن يتحرك من سريره أطعمته بيدي كررت عليه السؤال ما بك؟!
قال مرهق وأريد أن أرتاح
تركته نائماً حتى موعد صلاة العصر أيقظته لم يستطع أن يستيقظ اتصلت بالجيران ذهبت معهم إلى المستشفى
وهناك كانت بداية النهاية
أتى الطبيب بخطوات سريعة وقال لي حالة زوجك حرجة وهناك اشتباه في وجود التهاب على قشرة المخ ثم فصل الأمر هناك نوعان نوع بسيط ونوع خطير
تقبلت الخبر بثبات وما كنت أظن أني كذلك
حتى الساعة الواحدة والنصف ليلاً وأنا أصلي وأدعو الله أن يشفيه.. ظل في غيبوبة ثلاثة أيام متواصلة من ظهر يوم الأربعاء ومروراً بيومي الخميس والجمعة
وفي صباح يوم السبت تحسنت حالته وأفاق من غيبوبته وبدأ يعرف الزائرين شكلاً وعندما اقتربت منه
قلت له هل عرفتني يا عادل ؟
قال لا
قلت له أتعرف بدور ؟
قال هي ابنتي
أردفت بسرعة أنا أم بدور
تبسم ضاحكاً وقال أنت زوجتي !!
بكيت بكاءً مراًّ
قبل ثلاثة أيام كيف كان حاله ذاكرته عقله سؤاله عني واليوم تبدلت الأحوال لا يعرف حتى أحب الناس إليه لا يعرف زوجته وابنته !!!
طال بي التفكير ولم أنس ذكر الله وتنبهت على صوت الإمام يقرأ في الصلاة وكأنه يخاطبني
) يا أيها الذين آمنوا استعينوا بالصبر والصلاة إن الله مع الصابرين (
وأنا أتابع الآيات تتابعت دموعي وعلمت أنني من أصحاب هذه الآية
) ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون (
نحن هنا في غربة وبفقد الزوج في مصيبة من يذهب بي إليه في المستشفى من يأتي معي إنها غربة وأشد أنواع الغربة خاصة إذا كانت إمرأة ضعيفة مثلي وحيدة في بيتها لا أخ ولا أب ولا زوج
في يوم الأحد كتمت حزني ذهبت مع أحد أصدقائه وزوجته اليوم سعادتي لا توصف وفرحي لا نهاية له عرفني زوجي وعرف كل من ذهب إليه
شد انتباه من حوله أن كل زائر ملتحٍ يبتسم له ويعرفه ولكنه لا يستطيع تذكر الأسماء أما أنا زوجته وأم أبنائه عرفني منذ أن رآني وناداني باسمي وابتسم في وجهى
كأني لم أذق طعم السعادة إلا اليوم وكأني لم أسمع اسمي على لسانه إلا هذه المرة
طلب مني أن يتوضأ للصلاة ويصلي ما فاته من الصلوات في الأيام الماضية
هاجسه الأذان وحديثه الصلاة
في أحداث سريعة
يوم الاثنين نقلوه إلى غرفة بمفرده لأن الفيروس انتشر في جسمه وزادت حرارته كان هذا اليوم يوماً مشهود في حياته
كل يوم أزوره من الساعة الثالثة حتى الساعة الخامسة ومن الساعة السابعة وحتى التاسعة وأراد الله هذا اليوم أن أبقى معه من الثالثة وحتى التاسعة
وأنا أضع له الكمادات على وجهه ويديه ورجليه ولكن حرارته في ازدياد
بدأت أقرأ القرآن بصوت يسمعهة وعندما توقفت برهة عن القراءة لكي أضع الكمادات على قدميه
قال لي افتحي جهاز التسجيل
فرحت وقلت له تريد أن تسمع القرآن يا عادل
قال طبعاً
أكملت له التلاوة إلى أن أتى موعد الزيارة الثانية وحضر بعض زملائه وأصدقائه ومنهم صديق له ملتزم يحبه ويوده
تبسم زوجي عندما شاهده ومد يده نحوه ليسلم عليه
ولكن كانت فرحتي أكبر فمددت يدي بسرعة وصافحت زوجي وكان آخر سلام ومصافحة له
ذهبت إلى منزلي فارغة القلب مهمومة النفس أغالب الحزن وأسأل الله الثبات
مع تباشير فجر يوم الثلاثاء والمؤذن يرفع صوته بالآذان الله أكبر.. الله أكبر..
فتح عادل عينيه وجلس نصف جلسة على سريره ونظر بعينيه إلى السماء
ثم رجع إلى الخلف وأغمض عينيه وصعدت روحه إلى بارئها
كل إنسان له نهاية وقد حانت نهايته في هذا اليوم أصبح من أهل الدنيا وأمسى من أهل الآخرة
في الصباح بحثت عمن يذهب بي إلى المستشفى وتطوع احد الجيران مع زوجته
شعرت أن زوجي ربما قد حدث له شيء من أثر الحرارة المستمرة ونحن بجوار المستشفى قال لي جارنا انتظري سأذهب وأسأل عن حالته ثم أعود رفعت طرفي إلى مكان غرفته أقلب الطرف ويعود كسيراً
طالت غيبة جارنا أو حسبت أن الأمر كذلك
لم أستطع الصبر وعندما هممت بدخول المستشفى فإذا به قادم مطأطئ الرأس
قال بصوت خافت رحمه الله
اصبري
قلت له هل ذهبوا به من هنا ؟
قال.. لا
قلت لابد أن أراه ,أصررت على ذلك ذهبنا نحن الثلاثة.. وأنا أردد
) إنا لله وإنا إليه راجعون (
أسابق اللحظات واستحث الخطى دلفت إلى غرفته فإذا به ممدداً على السرير ومغطى برداء كشفت الغطاء
فإذا بوجهه تعلوه السكينة والبشر لم أشعر إلا وأنا أقبله على جبينه إلى جنة الخلد إلى الحور العين
أخرجوني ولساني يردد ) إنا لله وإنا إليه راجعون (
اللهم أجرني في مصيبتي واخلفني خيراً منها
الصدمة قوية والفجيعة كبيرة ولكني أحتسب مصيبتي دفناه هنا حيث الأرض التي أحب
الجميع يعدد محاسنه ومحافظته على الصلاة
حمدت الله على هذه الخاتمة الطيبة
تفكرت في حال الدنيا
إن أعطت أخذت
وإن أفرحت أبكت
وإن أسرت أحزنت
ساعات قليلة بين فرحي وحزني
بين ابتسامتي ودمعتي اليوم
انقلبت إليَّ غربتي وعادت إليَّ وحدتي فقدت عادل
ولكن بقي رب عادل
لن يضيعني أنا.. وبدور وهو أرحم الراحمين
| |
| |
|
admin Admin
تاريخ التسجيل : 23/08/2009 العمر : 57 الموقع : wild-flower.ahlamontada.net
| موضوع: رد: ولكن بقي رب عادل الأحد أبريل 04, 2010 1:04 pm | |
| قصة بجد رائعة بس حقيقي فقدت بصري على ما قراتها | |
|