في صباحٍ أشرق فجره بالأمل ، وترنمت أحلامه معلنةً انطلاقها للحياة
وتطايرت عصافيره تشدوا لحن طفولة بريئة ، هناك غرس الفجر أركانهُ
واختفت أنجم الليل المرتحل أتذكر ذلك الصباح ..!!
حينما أيقظتك والدتك وصاحت بك لقد تأخرت عن المدرسة
أوووه لقد تذكرت لم أحلّ واجب الجغرافيا ، وأستاذ الجغرافيا عصبي ،
ولخوفك من العقابشعرت بألم في بطنك ، هاهي والدتك تعود إليك ..
ألم تنهض يافلان ..!!
فبدأت بالمبالغة في إظهار الألم ..وضعت يديك على بطنك
وصحت بطني آآه بطني ولم يمر الموقف على أمك بسهولة ،
هرعت أمك إلى المطبخ ، خلطت الماء بشيء من السكر
وسكبت شيئاً منه في ملعقة وأعطتك إياه لتشربه قائلة لك :
هذا الدواء ممتاز جداً لألم البطن ما إن تشربه حتى يذهب الألم
فصدّقت أنه فعلاً دواء وشربتهُ بعد إصرار أمك عليك ..
لقد إختفى الألم ..لكن .. لكن واجب الجغرافيا ..!!
قطع تفكيرك صوت والدك هل أنت جاهز يافلان ..؟
نعم نعم حسنا يا أبي ..
ياالله كم كنت بريئاً وهمومك لم تتجاوز أستاذ الجغرافيا ،
حتى أنك صدقت أن الماء المخلوط بالسكر هو فعلا دواء ..!!
لله درك كم كنت بريئاً
ذهب الصباح بكل آآماله ، لتقبل شمسُ الظهر بقوتها
وتنشر حرارتها في كل مكان ..
حان وقت العودة للبيت ما إن ضرب جرس آخر حصة
لملمت أغراضك بسرعة تركت المسطرة في الدرج
وعلبة الألوان مع زميلك وقلم الرصاص تحت الطاولة ..
لا يهم لايهم سأعود غداً وآخذها كلها ..
في طريقك للمنزل أردت قطع الشارع فرأيت في الجهة المقابلة
قطة قد دهستها إحدى السيارات فماتت وبجاوارها ثلاثُ قطط صغيرة
تدور حولها وتموء مواءً حزينا ..رقّ قلبك ووجدانك لهذه
القطط الصغيرة ذهبت إليها مسرعاً وبحثت
لها عن مكان آمن وضعتها فيه ..وربما ذهبت إلى البقالة لتشتري
لها من مصروفك حليباً تضعهُ لها كي تشرب ..وأنت في قمة السعادة ...
ياالله كم كنت بريئاً وهمومك لم تتجاوز قطة رأيتها
ضعيفة فعطفت عليها وساعدتها ..
لله درك كم كنت بريئاً ..!!
ودعنا الظهر واستقبلنا عصراً هادئاً دافئ ،
عمّ فيه السكون وعمد الجميعُ فيه للإسترخاء
هاهو البابُ يُطرق ..إنه صديقك فلان ..
جاء متحمساً ليأخذك كي تذهبا سويا للحارة المجاورة
للعب الكرة ( دوري الحارات ) ذهبتما والحماس يسبقكما ..
وما إن وصلتما للحارة المجاورة حتى أصابتكما صاعقة
يالله إنهُ فلان ذلك الشخص في الصف السادس يبدو
ضخما قد فسر أكمامه وكأنه ينتظر
أحدا يمر من عنده كي يتسبب في شجار معه
وما إن رأك أنت وصديقك حتى تهلل وجههُ بشراً فلقد وجد مبتغاه ..!!
تعال تعال إنت وياه وش جايبكم لحارتنا ..؟!!
وما كدت أن تجيب عن سؤاله حتى شعرت بكفه الضخمة تلتصقُ على
خدك ..والدنيا تدور وتتلون أمامك
وكفه الأخرى على خدّ صديقك ولم يكتفي ذلك الضخم بهذا
وبدأ بتوجيه ضربات متتالية ختمها بركلة لكما
وقال وهو ينفضُ كفيه ببعضهما ..
( خلوني بس أشوفكم مرة ثانية بحارتنا )
لم تشأ أن تبكي أمام صديقك ..عاد كلٌ منكما لمنزله
وآمله بالفوز في الدوري قد تحطم
وفوق هذا مازلت متألماً من آثر الضربات التي ووجهت إليك
دخلت المنزل وإستقبلتك صاحبة القلب الدافئ وما إن رأيتها
حتى ارتميت في حضنها باكياً
بكيت وبكيت حتى فرغت في حضنها كل مايؤلمك ..
وهي تمسحُ على رأسك وتردد ( بسم لله على وليدي ، بسم الله عليك )
ياالله .. يالله كم كنت بريئاً حتى أنك لم تكن تخجل
من البكاء في حضن أمك كلما احتجت إليه
فلله درك كم كنت بريئا ..!!
هاهي الشمس تغيب ليمضى العصر سريعاً بكل أحداثه ،
ويحلُ الظلام مبتدئاً بالمغرب
أووه تذكرت حصة التعبير ، طلب منا الأستاذ التعبير عن الوطن ..!!
ولم أعبر حتى الأن ..ماذا أفعل ..؟!!
بدأت بالمحاولة ( وطني ياوطني ياأغلى الأوطان ....
ثم انتهت مفرداتك وتوقفت عن الكتابة
نعم تذكرت سأطلب من أختي نورة أن تعبر لي ..فذهبت إليها مسرعاً
نورة تكتبين لي موضوع التعبير..؟؟ تكفين لا تقولين لا
أصلا المرة إللي راحت لما عبرتي لي عن الوالدين الأستاذ مدح
التعبير وقال أحسن موضوع موضوعي ..
لقد عرفت من أين تؤكل الكتف ..!!
هنا فرحت أختك بهذا الكلام ووافقت على كتابة موضوع التعبير لك
حنانيك كم كنت بريئاً طاهراً ..فلم تكن تتحرجُ من طلب
المساعدة من أختك كنتما كالصديقين تحت ظل البراءة اجتمعتما ..
فلله درُّ هذه البراءة
ارتفع صوتُ آذان العشاء عذباً يصدحُ في أرجاء الحارة
ويهزُ كيان كل حيّ وبعد الصلاة عدتَ إلى المنزل
وأثناء تناولكم طعام العشاء ، رنّ جرس الهاتف ردت والدتك ..
وعليكم السلام ، أهلا أم فلان .. نعم .. ماذا .
اهدئي قليلا وأخبريني مالأمر حسنا لا تقلقي .. سيعود بإذن الله هوني عليك
هل بحثتم في المنزل جيدا .. قد يكون نائما في أحد الأماكن ..
ولم تكد والدتك تُغلق سماعة الهاتف حتى نفضت يدك من الطعام
وقمت مسرعاً إلى بيت جيرانكم كي تساعدهم في البحث عن ابنهم
الذي لم يعد حتى الأن للمنزل ..!!
وبعد عناء بحثٍ طويل وجدتموه قد ركب سيارة
والده ثم غلبهُ النعاس فنام في السيارة
عدت إلى المنزل سعيداً ..وبشرت أمك أنكم قد وجدتم فلان ..
طغت برائتك عليك ، فآآثرت مصلحة غيرك على نفسك
وقدمت المساعدة لغيرك وذلك لفيض البراءة التي هي داخلك
فلله درُّ هذه البراءة ..ياالله كم كنت بريئا.!!
أسدل الليل ستاره ، وجاء القمر منيراً شيئا من ظلام الليل
وتسلل النعاس إلى جفنيك ذهبت إلى فراشك سريعا
وضعت رأسك على المخدة تذكرت صوت والدك وهو يعدك بهدية رائعة
إن أنت نجحت في المدرسة بتقدير ممتاز ..بدأت تتخيل الهدية
( أكيد أبوي بيشتري لي سيكل ( دراجة ) آممممممم وأكيد بيكون رامبو ...)
غرقت في خيالك ..وعلت وجهك ابتسامة دافئة
فأخذك النوم إلى أرض الأحلام ..
هناك رأيت نفسك تركب دراجتك ( الرامبو ) وتسير بها مفتخرا بين أصدقاءك
وهم يتراكضون خلفك ويرددون ( ترى إنت صديقي )
( تكفى عطني فرررة ) فنزلت من الدراجة وأعطيت
لكل واحد من أبناء الحارة دور يركب فيه دراجتك
وجاء أحدهم من بعيد ..أفزعك بصراخه وهو ينادي عليك ..فلان فلان
استيقظت من النوم إنها والدتك التي كانت
تناديك تريد إيقاظك للمدرسة
هاهو الصباح يعود من جديد حاملاً أمل فجر واعد و وبشرياتٍ منتظرة
يتكرر اليوم بأحداث مختلفة وبريئة ..
وأنت مازلت أنت ببرائتك وصفاء سريرتك
أتذكر حينما كنت تلبس ملابس والدك وتُغلّظُ صوتك وتقول أنا بابا ..
يااااالله كم كنت بريئاً ..!!
أتذكر حينما وجدت ابنة جيرانكم الصغيرة تبكي عند باب بيتهم ..
فسألتها عن سبب بكائها فقالت لك أن فلانا أخذ منها نقودها
وعلى أنك تخافُ من فلان لأنه أكبر منك قليلاً إلا أن الشهامة
تملكتك وقتها فانطلقت نحوه وزجرته وأخذت منه النقود وأعدتها للطفلة
بل إنك أخذتها للبقالة كي تشتري ماتريد ثم أعدتها لمنزلها ....
يالله كم كنت نقياً ..!!
أتذكرُ حينما سقط عصفور صغير من عشه الذي هو فوق سطح بيتكم ..
فذهبت وأحضرت سلما وصعدت ممسكاً بكل حنان
بهذا العصفور الصغير وأعدتهُ إلى العش
لكنك بقيت معلقاً فوق فلم تستطع النزول حتى جاء والدك
بعد فترة ووجدك معلقاً فأنزلك غاضبا وربما ضربك فبكيت
لكنك سعيد بإنجازك فلقد عاد العصفور إلى عشه ..!!
ياالله كم كنت عطوفاً ..!! كم كنت بريئاً
مضت الحياةُ سريعاً ..
ودعت أيام الطفولة وإستقبلت عالم الشباب بكل إنطلاقه وحيويته
تغيرت أحلامك وتنوعت أهدافك وصار عندك رغبات مختلفة ..
ومن أجل رغباتك دُست على كل من هم حولك ..!!
أتذكر حينما كنت تبكي بحضنها ..مابلك اليوم تزمجرُ في وجهها وتبكيها ..!!
أنسيت كم أن دموعك قد بللت ملابسها ..!!!
لقد كان وجدانك يرقُ لصغار القطة المدهوسة
فيا لله كيف أصبحت اليوم أنت من يدهسها في الشارع وفوق ذلك
تطلقُ ضحكة مدوية وكأنك بقتلها حققت شيئاً ..!!
كنت تنهى والدك عن التدخين وتنفضُ دخان السجائر
عن وجهك البريء وأنت غاضب..فمالي أراك اليوم بشفاة سوداء ..
وعيونٌ غائرة وأسنانٌ صفراء ..وانفاسٍ كريهة !
أتذكر حينما ساعدت تلك الطفلة الصغيرة ..!!
فلماذا اليوم تحولت ذئباً يتصيدها ويوقعها في شباكه ..!!
أمن أجل رغباتك ..تدوسُ على كل من هم حولك ..وأولهم نفسك!!
عجباً أهذا هو مفهوم الشباب عندك ..؟!
وبرائتك ..!! ونقاءُ قلبك وطهرك ..!!
عد كما كنت بريئاً ..فما أنقاك في ظل برائتك
كن قويا كن شجاعا ..كن شهما كن صاحب مبدأ
لكن إياك أن لا تكون بريئاً