أزمة ثقة
يتساءل المتحدثون باسم النظام الآن لماذا هناك أزمة ثقة؟
لهؤلاء أقول من أين يمكن أن تأتى الثقة؟! هل يمكن أن تأتى من الاستمرار فى اعتقال القيادات الشبابية لهذه الثورة فى نفس الوقت الذى يطالبونهم فيه بأن يعلنوا لجنة منهم للتفاوض؟
من أين يمكن أن تأتى الثقة ونائب رئيس الجمهورية يبدأ لقاءه مع ممثلى المعارضة من غير الشباب بوقفة حداد على أرواح الشهداء، فى نفس الوقت الذى تطلق فيه آلة الإعلام الرسمية الاتهامات بالعمالة والتخوين والانتماء مرة لإسرائيل ومرة لأمريكا ومرة لإيران، ويلفق فيه التليفزيون الرسمى وغير الرسمى الذى ينتمى بمصالحه للنظام تمثيليات كاذبة عن تدريب فى إسرائيل وآخر فى إيران وثالث فى أمريكا لقلب نظام الحكم، ويتهم المتظاهرين الذين ضحوا بحياتهم بأنهم يقبضون من جهات خارجية، وأن هذة الجهات تمولهم بالمال والطعام فى ميدان التحرير..
من أين يمكن أن تأتى الثقة بأن نائب الرئيس ورئيس الوزراء يكفلان تحقيق مطالب جموع الشعب وليس الالتفاف على الثورة وإجهاضها والوزارة التى شكلت أبقت على وزير الإعلام الذى يدير هذه الحملة.. وهى الحملة التى استخدمت عدداً من الممثلين بينما أعلن نقيب الممثلين أن من انضم للثورة من الممثلين لن يعمل.
السيد رئيس الوزراء يدرك بصفته إداريا محنكا أن الوزارة يجب أن تعمل فى اتجاه واحد وإذا كان يقول كلاما يحاول به أن يحصل على الثقة، وفى نفس الوقت تتحرك وزارة الإعلام فى اتجاه لا يحض أبدا على الثقة فإما أن هذا يفضح الهدف أو أن الوزارة لا تعمل على الأقل فى اتجاه التغيير، فأول ملامح التغيير يكمن فى إخراس آلة الكذب الإعلامية التى دأبت على التشويه والتزييف وترويج الأكاذيب ليحيا النظام، فإذا ما وجدنا أن هذا النظام يتحدث من خلال آلته الإعلامية بنفس اللغة ونفس الخطاب فعلينا أن ندرك أن النظام لا يفعل سوى المقاومة لتكتب له الحياة مرة أخرى.
من أين يمكن أن تأتى الثقة ونحن نلمح فى خطاب السيد نائب الرئيس والسيد رئيس الوزراء نفس اللهجة المتعالية التى تهون من الآخر وتتعامل معه بشكل فوقى متعال، ودعونا نتذكر كلمات السيد عمر سليمان الأولى التى ذكر فيها الأجندات الأجنبية ودعونا نتذكر ما قاله رئيس الوزراء من أن ميدان التحرير باق وبأنه يمكن أن يقدم الشاى والحلوى للمحتجين، وأن يتحول الميدان إلى هايد بارك وكأنه يتحدث إلى أطفال يمكن أن يقبلوا بمثل هذه الاستهانة بهم ويعودوا إلى منازلهم.
من أين يمكن أن تأتى الثقة وكلمات الرئيس للمبعوث الأمريكى تتردد بأنه قال تعليقا على التوريث «إن هذا حق ابنه عليه» فإذا كان مصمما على أن يمنح ابنه حق أن يرثنا، فهل نسمح نحن بأن يحدث هذا لنا ولوطننا أن يورثنا لابنه كالعبيد؟!
ومن يقول إن ميدان التحرير قائم ويمكنكم أن تخرجوا إليه؟! لن أقول من يدرينا أن النظام لن يعى الدرس ليكون أكثر عنفا فى المرة القادمة، ولكن سأقول من قال لكم إننا نريد أن نضحى بمزيد من الشهداء من أبنائنا على مذبح مقاومة هذه العصابة التى حكمتنا طوال الفترة السابقة، لقد كشف النظام الحاكم عن هويته بشكل فج فى صورة المزيفين من الإعلاميين والبلطجية من رجال الأعمال والحزب الوطنى.
للذين يتحدثون عن الثقة، أقول أنتم تتكلمون بنفس الخطاب وتستعملون نفس المفردات وتستخدمون نفس الآليات المتمثلة فى التعالى والبطش والتزييف والتشوية فكيف تتوقعون أن يثق الناس؟ لقد تعلمنا أننا عندما نسمع الكلام عن القلة المندسة والأجندات الأجنبية والخلط ما بين الوطن والنظام والحديث عن الاستبداد بصفته الاستقرار أننا أمام نظام مبارك بامتياز.
هل يمكن أن يصدق أحد أن هناك محاولة حقيقية للتغيير، بينما آلة إعلام النظام تمهد الأرض بالتشويه والأكاذيب لتكون مستعدة لسند النظام ليعود إلى سابق عهده لتخرج علينا مؤكدة أن الشعب قد تغلب على القلة المندسة ودحرها.
هل يمكن ألا نلتفت بقوة إلى تصريحات محافظ البحر الأحمر الذى تساءل مستنكرا هل مجموعة تعتصم فى كيلو متر مربع «يقصد ميدان التحرير» يمكنها أن تفرض إرادتها على الشعب، متجاهلا أن المظاهرات المليونية قد خرجت فى كل محافظات مصر.. هذا نظام يقدم وجهاً يحاور ويعمل للملمة أشلائه لينقض فلا تصدقوه.