تأملات في سمات المبدعين
عود على بدء قد يعدّ الابتكار إنتاج أي شيء جديد ، من حل مشكلة ، أو تعبير فني . والجدّة هنا أمر نسبي ، فما يُعَد جديداً بالنسبة لفرد قد يكون معروفاً لدى آخرين . والطفل في كثير من ألعابه مبتكر أصيل ، وكذا من يخترع جهازاً أو يضع نظاماً اجتماعياً أو اقتصادياً جديداً . وأما الإبداع فهو حالة خاصة من الإنتاج وذلك حين يكون الشيء الجديد جديداً على الفرد وغيره.
وكثير من الباحثين يجعل الإبداع والابتكار مترادفين,إذ العبرة بوجود السمات العقلية والنفسية التي تؤهل صاحبها للإتيان بالجديد .
ولذلك فإن الإبداع أو هو النشاط الذي يقود إلى إنتاج يتّصف بالجدّة والأصالة والقيمة بالنسبة للمجتمع
مستويات الإبداع :
وبديهي أن الإبداع على مستويات شتى ، منها البسيط الذي يقدر عليه كثير من الناس ، ومنها المتوسط الذي تقدر عليه قلة من البشر ، ومنها العالي الذي ينتجه العباقرة .
قد تقرأ قصيدة لشاعر عادي فتجد في أحد أبياتها صورة شعرية جديدة ، وقد تجد شاعراً محلّقاً يهز مشاعرك ويأخذ بأحاسيسك وأنت تحلّق معه في صور ومعانٍ وتعبيرات فائقة .
وفي تقويم أي عمل إبداعي أو شخصية مبدعة ينظر إلى توافرعناصرخمسة أساسية للإبداع وهي : المرونة والطلاقة والأصالة والحساسية والتنبؤ
أولا:المرونة فتعني سيولة المعلومات المختزنة ، وسهولة استدعائها وتنظيمها وإعادة بنائها والنظر إلى المسائل من زوايا عدّة والقدرة على التكيف العقلي مع المواقف والأحداث المختلفة. ثانيا:الطلاقة فهي تحرير العقل وانطلاق التفكير خارج حدود الزمان والمكان والظروف والتحديات والأفكار السابقة وهي أيضا غزارة الإنتاج ، وسرعة توليد وحدات من المعلومات ، كإعطاء كلمات تتفق مع معنى ما ،أو تضاده ، أو تربط جزءاً بكل.
ثالثا: الأصالة فتعني التفرد بالفكرة . ولا يقصد بذلك أن تكون الفكرة منقطعة عما قبلها ولكن صاحبها زاد فيها شيئاً ، أو عرضها بطريقة جديدة ، أو وصل إلى نظرية تنتظم أفكاراً متفرقة قال بها آخرون وهي الإدراك الجيد للتراث الإنساني والاعتزاز بهذا الرصيد الذاخر من القيم والمبادئ وحسن توظيفه لخدمة الحاضر والمستقبل وعدم التكرار ، فالخليل بن أحمد مبدع حين استنبط قواعد الشعر التي كان يمارسها الشعراء ، والإمام الشافعي أبدع في استنباط قواعد أصول الفقه التي كانت مختزنة في عقول الفقهاء ، وماندلييف أبدع في نظم جدول التصنيف الدوري للعناصر التي كانت معظم خواصها معروفة من قبله،وفتحي الدريني أبدع حين وضع نظرية التعسف في استعمال الحق مع أن الفقهاء منذ القديم كانوا يحكّمون هذه النظرية في كثير من الأحكام ... وتعني الأصالةُ في النهاية أن تكون الفكرة المبدعة جزءاً من شخصية المبدع . والمفكرون الذين يتميزون بالأصالة هم أكثر تفتحاً ، عقلياً وانفعاليا .
رابعا :الحساسية فهي الرصد المبكر للمشكلات وجوانب الخلل والنقص والضعف ووفهم المعطيات والتنبؤ وإدراك الاحتياجات اللازمة للموقف .
خامسا : التنبؤ هو خصوبة الخيال وموضوعية التفكير وتوقع أكبروأجود عدد ممكن من الاحتمالات والبدائل الممكن حود ثها في المستقبل.وهي مهارة يمكن اكتسابها بسهولة .
وبعض علماء النفس يزيد على عناصر الإبداع الثلاثة المذكورة ، عناصر أخرى مثل الفائدة ( بأن يكون الشيء الجديد مفيداً للمجتمع ) ، والقبول الاجتماعي بأن يكون موافقاً لقيم المجتمع .
لكن مثل هذين العنصرين يبقيان محل جدل ، فقد لا تدرك فائدة الجديد إلا بعد حين ، وقد يكون هذا الشيء مفيداً في مجال وضاراً في مجال ، وقد يكون مرفوضاً من المجتمع اليوم ، مقبولاً غداً ، أو مرفوضاً في مجتمع مقبولاً في مجتمع آخر ... وللحديث بقية…