لو دققنا النظر في كل نهضة إنسانية انطلقت في الزمن الغابر وفي كل نهضة نعايشها اليوم لوجدنا أن قطب رحاها هو العنصر الشبابي. فليس غريبا –والحال كهذه- أن نجد القادة الواعين، والشخصيات واسعة التأثير، يركزون اهتمامهم على هذه الفئة الخصبة والمؤثرة.
ومن هذه الشخصيات الواعية التي كان لها تأثير واسع على شباب الأمة –حتى من خارج الدائرة المذهبية- هو الفقيه الفقيد آية الله
د محمد رضا الشيرازي«أعلى الله درجاته». هذا العالم الذي جسد أخلاق الإسلام بسلوكه الحسن وأفكار الإسلام الحية بمنطقه العلمي الرصين، فكان بصدق العالم الذي أحبه الشباب وتأثروا بكلماته المضيئة ولفتاته الملهمة.
لقد كان رحيل هذا السيد المبارك قبل عام تقريبا صدمة مفاجئة كان لها أبلغ الأثر في نفوس شباب الأمة، لأنه كان -وأمثاله من العلماء العاملين المنفتحين على الشباب والمخاطبين لهم بالمنطق الذي يفهموه- أملاً طالما حلم به الشباب. ولكن نطرح سؤالاً لشبابنا الأعزاء وبقية محبي السيد ومريديه، وهو أنه بعد هذا التأثر العميق برحيل سماحته، هل راجعنا سيرة حياته المليئة بالنشاط وأحاديثه الكثيرة وكتاباته لنعلم كيف نقتدي به؟ وما هي رسالة السيد الرضا لنا نحن الشباب ولبقية أطياف الأمة؟
فلنتأمل النقاط التالية التي قد تقودنا للإجابة على مثل هذه التساؤلات الرئيسية التي تجعلنا نتعامل مع هذه الشخصية الفذة حسب مبدأ أمير المؤمنين القائل: "ولأن يكونوا عِبَراً أحقّ من أن يكونوا مفتخراً"[1] .
• فكروا عالميا واعملوا عالميا:
في هذا العصر الذي تجاوزنا فيه عصر تركيز الاهتمام على الإمبراطوريات والدول والشركات الكبرى، وأصبح فيه الفرد مهما كان موقعه على الكرة الأرضية هو محط الاهتمام الأول للقادة الناجحين– حسب النظريات الحديثة-، لا بد لنا من استغلال هذا الوضع لمستقبل أفضل وتطوير مهاراتنا للتعاطي مع هذا المتغير الجديد. فالآن بإمكان كل فرد أن يؤثر ويتحرك على مستوى العالم وبكل يسر وسهولة إذا كان يتقن المهارات التي تمكنه من ذلك.
وفي هذا الجانب نقتطف بعض الكلمات من محاضرة بعنوان "التفكير العالمي" للسيد الرضا: "القرآن الكريم لغته لغة عالمية.. وهذا يتطلب منّا أن لا نحصر اهتمامنا في بلد أو إقليم أو قومية بل نكون عالَميين في تفكيرنا.. وأن يكون تفكيرنا كما أراده الله سبحانه وتعالى تفكيراً عالَمياً، ألسنا نقول في كل يوم عدة مرات: ﴿ الحمد لله رب العالمين ﴾، فربوبية الله عالَمية ورحمته للعالمين ورسالته كونية... نسأل الله تعالى أن يوفّقنا للتأثير في مجرى التاريخ فيما بقي من أعمارنا، وهذا ممكن بإذن الله، إن كان تفكيرنا عالمياً، وعملنا عالمياً."[2] .
ولم يكتفي السيد بالكلام فقط فقد كانت أعماله ترجمة حقيقية لما يدعو له، فلقد كان فكره عالميا كما يلاحظ من أحاديثه التي كانت تبث عبر القنوات الفضائية العالمية، وكان تحركه عالميا بالتشجيع على العمل في مختلف بلاد العالم وفي مختلف الحقول النافعة ومتابعته للكثير من هذه المؤسسات والأنشطة.
• أسمعوا العالم أصواتكم:
لا شك أن من ركائز التحرك والتأثير العالمي هو القدرة على إيصال وتبادل الأفكار والمعلومات مع بقية البشر. وأكثر الطرق المستخدمة لهذا هي طريقة الكتابة وطريقة الخطابة. فالكتب المطبوعة والإلكترونية، والصحف والمجلات، ومواقع الانترنت، والقنوات الفضائية، والإذاعات العالمية، وبقية وسائل الإتصال والإعلام المسيطرة على عالم اليوم كلها تستخدم هتين الطريقتين بشكل أساسي. وهنا لا بد لنا من إتقان الكتابة والخطابة لنكون رقماً في المعادلة العالمية، وإلا فلا خيار آخر لنا في هذا الميدان العالمي المزدحم إلا أن نكون متلقين فقط.
وهنا يوصي السيد بضرورة إتقان هتين المهارتين الضروريتين فيقول ضمن وصيته: "تعلم الخطابة وإتقانها.. تعلم الكتابة والتأليف بما فيه احتياجات المجتمع والشباب بالخصوص"[3] . ولا نحتاج لتبيين كيف أن السيد الرضا كان أسوة ونموذجا يحتذى به في هذ الجانب فلقد باشر إلقاء المحاضرات التوعوية والاشتراك في النشاطات الواسعة والمختلفة وهو لم يبلغ السابعة عشر من عمره، كما ألف كتابه القيم والعميق "كيف نفهم القرآن؟" وهو لم يبلغ العشرين[4] .
• كل فرد هو مؤسسة:
في نفس الوصية السابقة يوصي السيد الفقيد بـ " تشويق كل فرد على العمل والفاعلية والانطلاق وتكوين المؤسسات، حتى يكون كل فرد مشروعاً ومؤسسة". ويؤكد السيد في وصية أخرى على "الاهتمام بتشكيل لجان لخدمة المجتمع، دينياً وثقافياً وإنسانياً"[5] .
لقد آمن السيد بمبدأ أن كل فرد يستطيع أن يكون مؤسسة في حد ذاته تتفرع منها مؤسسات كبرى، فكانت النتيجة مئات من المحاضرات، والكثير من الكتب والمؤسسات، ورجال الدين والفكر، والناشطين الاجتماعيين والسياسيين. وما قناة الزهراء التي تفرعت منها قناة المهدي«عج» وباقة القنوات التابعة لها التي تنتظر الافتتاح –حسب مصادر مقربة- نتيجة تشجيع السيد الراحل لمجموعة من الشباب في إحدى ديوانيات الكويت على العمل وتأسيس هيئة متواضعة إلا مثالا واضحا لواقعية هذا الطرح وما يمكن أن ينتج عنه من ثمار عظيمة إذا آمنا به وعملنا على ضوئه.
• عليكم بالجد والاجتهاد:
يقول الشاعر:
لا تحسب المجـد تمـراً أنـت آكلـه لن تبلغ المجد حتى تلعق الصبرا
فلم يبلغ السيد الرضا هذه المكانة ولم يحقق هذا النجاح إلا بالجد والاجتهاد والتركيز على أولويات الحياة وتجنب سفاسف الأمور. فحري بنا أن نتبع هذه الخطى لتحقيق النجاح الذي يحلم به كل شاب في هذه الحياة.
وأقتطع هنا بعض ما وصفه به أحد تلامذته: "كان لايضيع دقيقة من وقته سدى، بل كان يوظف جميع أوقاته لبناء شخصيته العلمية الكريمة،فكنت تجده إما متعلماً«متلقياً»أو معلماً«ملقياً»أو مشغولاً بأمر مهم كأداء وظيفة اجتماعية.. وأذكر أنه كان يبكر في التدريس، فيبدأ أولى محاضراته مع طلوع الشمس مباشرة وأحياناً قبل طلوع الشمس.. فتجده يحضر إلى الدرس دون تأخير إطلاقاً إلى درجة أننا كنا نوقت ساعتنا وفق حضوره لشدة التزامه بموعد الدرس، بحيث لايتأخر عنه حتّى دقيقة واحدة.. ومنذ ما يقرب من خمسة عشر سنة قبيل وفاته،أصيب بآلام مزمنة في الظهر، كانت إذا اشتدت تقعده عن التدريس، وتسبب له بآلام شديدة أثناء التدريس،إلاّ أنه كان يتحمل عناء الألم ومشقة الوجع، ويتحامل على نفسه الشريفة، ويحضر إلى الدرس.. لقد روى لي من لا أشك في صحة روايته أن السيّد الرضا«رحمه الله»التزم بأداء صلاة الليل منذ بلوغه سن التكليف ولم ينقطع عنها حتّى وفاته.. وكان السيّد الرضا كلما ألتقي به يشجعني دوماً على الكتابة والتأليف، ويذكرني بأن الوقت لا ينتظرنا وأن الأيام تمر سريعاً فلابد من استثمارها استثماراً علمياً"[6] .
• دورنا نحن:
لقد كان السيد الرضا بذاته رسالة تنبض بالحياة، وخير أسوة للشباب المثمر، كما ترك لنا وصاياه المكتوبة والمسجلة، وآلاف الذكريات الجميلة، فهل نسير على نفس المنهج الذي سار عليه مقتديا بأسلافه الصالحين والناجحين، أم نكتفي بعبارات الثناء والترحم، ومشاعر الحزن والأسى لفقده، بعيدا عن أي تحرك عملي على طريق النجاح؟
"إما أن تكون ناجحا يصفق لك الآخرون، أو فاشلاً تكتفي بالتصفيق للناجحين".
........................................................................................................
[1] نهج البلاغة، الخطبة 220: قاله بعد تلاوته: ﴿ أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ • حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ ﴾، جمع الشريف الرضي «رضوان الله عليه»
[2] كتاب ومضات، محاضرة "التفكير العالمي"، تأليف آية الله السيد محمد رضا الشيرازي
http://www.s-alshirazi.com/s-reza/10.htm [3] من وصايا الفقيد السعيد آية الله السيد محمد رضا الشيرازي«قدس سره»
http://www.s-alshirazi.com/news/1429/06/108.htm [4] بين يدي الرضا، ص10، تأليف السيد حسن القزويني
[5]
http://annabaa.org/nbanews/70/393.htm [6] «بين يدي الرضا» المذكور في الأعلى.