يستمتع عدد من النساء بالحديث عن الرجال خصوصا أزواجهن، فتجد الواحدة منهن تتكلم مع صديقاتها عن طريقة مشية زوجها الهوجاء، كلامه البارد، شكله وهو يأكل، عواطفه غير المفهومة وغير ذلك من أمور شخصية للغاية قد تصل لتفاصيل العلاقة الزوجية الحميمة. بحيث يمكن للصديقات أن يعرفن ما إذا كان هذا الرجل المسكين يعاني من عجز جنسي أو مشكلة في التواصل أو أي اضطراب عقلي أو نفسي أو وظيفي.
لا يفهم كثير من الرجال لماذا تفضحهم بعض النساء؛ وهل هذا التصرف نابع من كره حقيقي لهم أم أنه بسبب غباء فطري أم ربما راجع إلى سذاجة في التعامل مع الغرباء؟. والحقيقة أن الرجال يشعرون بمأزق حقيقي لأنهم من جهة قد يشعرون بالغيرة من تلك العلاقة القوية بين الزوجة وصديقاتها مع اعترافهم برغبتهم أن تجد هذه الزوجة دائرة اجتماعية تحافظ فيها على توزانها النفسي؛ ومن جهة أخرى يشعرون بالقلق والتوتر من أن تتكلم الزوجة في شئ قد يخجلهم أو يضعهم في موقف لا يحسدون عليه، خصوصا إن باحت إحدى صديقات هذه الزوجة لآخرين، وهو أمر متوقع، وانتقلت الأخبار كعادة أي سر مفضوح إلى أطراف عديدة (بشكل درامي) فيفاجأ بأن زملاءه في العمل مثلا يتغامزون بالسر وينظرون إليه مبتسمين أو أن مديره في العمل يعطيه إجازات كثيرة بشفقه لم يعهدها منه، أو أن صاحب بقالة العمارة يصر أن يسأله عن حالته النفسية كل يوم!
وقد يستفيد هؤلاء الرجال من معرفة السبب الذي يدفع زوجاتهم إلى الحديث مع الغير بهذا الشكل المفتوح تماما لمعرفة ما إذا كانوا يفعلون شيئا خطأ في إطار علاقتهم مع الزوجة أو أنهم غير فعالين بما فيه الكفاية ولم يفعلوا ما يجب أن يُفعل. طبيعة المرأة بشكل عام ومع وجود استثناءات هو البحث عن شخص متوفر دائما لسماع شكواهن ورفع معنوياتهن وتعزيز ثقتهن بأنفسهن والتفكير معهن في مشكلاتهن ونصحهن في أي ضائقة يمررن بها كبرت أو صغرت.
وهذا يجعلنا نقول بثقة إن هذا الصنف الشائع من النساء يستمد طاقته العاطفية من مصدر خارجي وليس من ذواتهن، لذلك تجد الواحدة منهن لايمكن أن تعيش بدون دائرة صديقاتها اللاتي ربما يكن أحب على قلبها من أقرب الناس لها. كذلك فهي ترفض رفضا قاطعا أن تغير من ظروفها المعيشية حتى لا تبعد عن هذا المصدر النفسي المطلوب، حتى وإن فرضت عليها الحياة البعد النفسي والجسدي مثل أن تتزوج شخصا من مدينة أخرى مثلا فإنها ستبحث عن صديقات جديدات فورا بواسطة طرق باب الجيران أو زيارة المسجد أو البحث في وجوه زميلاتها في العمل عن شئ تفتقده.
الجدير ذكره أن هذه الحاجة النفسية التي قد تتزامن في بعض الحالات مع عجز عاطفي حاد يدل بشكل كبير على عدم استقلالية المرأة النفسية، وهذا بطبيعة الحال هو أمر ليس حاصلاً مع كل امرأة؛ بل إن بعض النساء هن مثال جميل للقوة والثقة بالنفس والعزة بحيث يتمنى الجميع أن يقترب من حياتهن فقط ليتعلم مبادئ الحياة وكيف يعيش. لذلك فهذه المقالة ليست هجوما على الزوجات ولكنها وسيلة لاطلاع بعض الرجال الذين يعانون من مشكلة صديقات زوجاتهم وقربهن غير المفهوم من هذه الزوجة بشكل قد يزدريه الرجال.
أعتقد أن من المهم أن يفهم الرجل أن صداقات زوجته لايمكن أن تكون خطرا عليه مهما كانت قوتها إن كانت زوجته إنسانة واعية لما تتحدث به وما تفعله معهن. لأن الصداقات أمر مهم للغاية لكثير من الناس رجالا كانوا أم نساء من أجل الحفاظ على توازن روحي وتحقيق سعادة ورضا عن النفس، لذلك فإن حبس الزوجة في بيتها ومنعها من التعرف على الناس أو الذهاب لزيارة صديقاتها هو أمر مضر لا محالة، وقد يرجع على الزوج بسلبيات كثيرة لا يتمناها. فالمرأة المنطلقة هي في الحقيقة امرأة متجددة ومفعمة بالحياة؛ ولكن تلك التي ليس لها حضور اجتماعي قد تجد نفسها إنسانة غير مثيرة وقد ينفر منها الناس لشيء سلبي في شخصيتها. وهذا أمر لا أتوقع أن زوجا عاقلا يريده لزوجته على افتراض أنها إنسانة تستحق مستوى كريما من العيش الذي يليق بها.
المشكلة ليست في الصديقة ولكنها في الزوجة التي لا تعرف كيف تدبر بيتها أو تتعامل مع زوجها دون مشورة القاصي والداني، وكأنها طفلة وضعت في مأزق. يمكن لأي إنسان أن يتحدث عن كل الموضوعات ولكن بأسلوب بعيد عن الشخصنة وتحديد الأسماء بشكل فاضح. لا بأس من استشارة الناس بأمر معين خاص، ولكن ليس من المستحسن أن يكون هذا من خلال تسمية نفسها وزوجها بشكل واضح بحيث يعرف الآخرون أنها تتحدث عن حياتها الخاصة. أسلوب "الثيمات" هو أسلوب ذكي في طرح أي موضوع بحيث يتكلم الناس في الأفكار ويطرحون المشكلات بشكل مجرد بعيد عن التحليلات غير المفيدة في نوايا الناس وشخصياتهم.
أتوقع أن الكثيرات مررن بتجربة صديقة ما تتكلم بشكل تفصيلي عن حياتها الخاصة لدرجة أنها تضع من يستمع إليها في حرج، لأننا في واقع الأمر لا نريد أن نتعرف على هذه المشاكل التي ستثقلنا نفسيا، ولا نحب أن نخوض في حياة الآخرين خصوصا أننا لا نعرفهم كفاية، عوضا على أن هذه حياة خاصة لاحق لنا في الاطلاع عليها؛ ولكن اللحظة هي التي فرضت نفسها علينا.
والكثير من المستعمات لا تجد سوى الصمت محرجة وهي تستمع للقصة تلو الأخرى محاولة لعب دور الطبيب النفسي أو المرشد أو الأم. ولكن من المناسب أن نكون أكثر إيجابية في التعامل مع هذه المواقف التي تبين لنا بوضوح ضعف وقلة حيلة هذا الشخص الذي ربما لن يقوم بهذا الفعل وهو في كامل توازنه النفسي. فمثلا يمكن أن نطلب من الشخص أن يتوقف عن ذكر التفاصيل والاكتفاء بموضوع المشكلة إن كان يحتاج مشورة أو أن نزود هذا الشخص بعنوان طبيب نفسي أو مرشد اجتماعي أو رجل دين معروف بتفهمه لمثل هذه الأمور الاجتماعية. وفي بعض الحالات وهذا يعتمد على طبيعة المشكلة والشخص نفسه قد نجد أنه لا محالة من أن نكون ذلك الشخص الذي يقوم بالمساعدة لأننا قادرون على ذلك نفسيا أو ماديا ولكن هذا الحكم سيكون شخصيا للغاية لأن الواحد منا سيقرر هذا عن نفسه!.
وعلى أي حال فموضوع التنفيس العاطفي يمكن أن يحل بشكل أفضل إذا وجد الزوج القادر على توفير الراحة النفسية والجسدية لزوجته بحيث لا يغدق عليها المال فحسب، بل يكرمها بقلبه وروحه ولا يسفه مخاوفها ويساعدها على تخطي عقبات الحياة وبخاصة إن كان أكثر منها خبرة أو أنه يشاركها هذه العقبات بكل ما فيها ليتعلم معها كيف يصلان لمرحلة متقدمة من النضج العاطفي فيكتفيان بنفسيهما ويصبح الزوج كافيا لها عن غيره، وتصبح هي بمثابة الصدر الحنون والعقل المتوازن الذي يجد في مشورته نورا لطالما كانت روحه تتوق إليه.