الباقيات الصالحات
وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: الباقيات الصالحات: لا إله إلا الله، وسبحان الله، والله أكبر، والحمد لله، ولا حول ولا قوة إلا بالله أخرجه النسائي وصححه ابن حبان والحاكم.
حديث أبي سعيد من رواية دراج عن أبي الهيثم، ورواية دراج عن أبي الهيثم فيها ضعف، لكن جاء له شاهد من حديث أنس عند الطبراني في الأوسط، وكذلك أيضا من حديث أبي هريرة عند النسائي، وليس في ذكره لا حول ولا قوة إلا بالله، وجاء أيضا عن رجل من الصحابة عند أحمد رحمه الله، وبهذه الطرق يكون الحديث من باب + بكثرة، كما قال الحافظ: ومن كثرة الطرق يصحح يكون من باب الصحيح لغيره، وهي الباقيات الصالحات، وفسرها تفسير قوله تعالى: الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا وهي: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله الله، والله أكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
وهذا ليس معنى ذلك أن الباقيات الصالحات محصورة في هذه الخمس لكنها هي رأسها، وكأنه -والله أعلم- قال: والباقيات الصالحات، وفسرت بهذا، وإن كان كل عمل صالح فهو باق صالح مثاب عليه العبد؛ لأنه قابلها بالفاني، فلهذا قال: والباقيات الصالحات، قابلها بالفاني وهو قوله: المال والبنون يفنى ويزول ولا قيمة له، إلا ما كان في الله وفي طلب رضاه سبحانه وتعالى، لما ذكر الفاني ثم ذكر بعده الباقي ناسب أن يحث النفوس وأن يدعوها إلى ما يبقى، ثم ذكر أنه هو الصالح الذي يصلح العبد في دنياه وفي أخراه وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا .
وهذا هو المأمول الحقيقي الذي يكون للعبد ويبقى، بخلاف الآمال الزائلة التي تذهب وقد لا يحصل على شيء منها، وإذا حصل فلا حظ له في شيء من ذلك إلا ما قدمه، قال النبي عليه الصلاة والسلام: أيكم ماله أحب إليه من مال وارثه؟ قالوا يا رسول الله: كلنا ماله أحب إليه من مال وارثه، قال: فإن ماله ما قدم، ومال وارثه ما أخر فبين أن الباقي هو المقدم، وأن الذي أخره ليس من ماله، وليس له من الدنيا إلا ما لبس فأبلى، أو أكل فأمنى أو تصدق فأمضى كما رواه مسلم عن كثير من الصحابة رضي الله عنهم بمعنى أنه لبس هذه الأشياء فهي له، بمعنى أنه تمتع بها، فإن كان في طاعة الله فهي له في الدنيا والآخرة، استعان بملبسه وبمأكله ومشربه على طاعة الله، ولهذا قال: أو تصدق فأمضى.
وإن كان لغير ذلك فتارة يكون في معصية فهو عليه ويعني في الآخرة وإن كان ينتفع به في الدنيا، وإن كان في مباح فلا له ولا عليه، إلا ما كان معينا على طاعة الله سبحانه وتعالى.
وهذه الكلمات كلمات عظيمة، وهي تقال كما تقدم في دبر الصلاة، لفضلها جاءت فيها الأخبار، وجاء أنها تقال بعد الصلاة كما روى النسائي وغيره بإسناد صحيح، أنه يقول: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر، وأنها من الكلمات التي تقال، وأنها أحد أنواع الأذكار التي تقال بعد الصلاة، ويقول كل واحدة خمسا وعشرين مرة، وحديث: ولا حول ولا قوة إلا بالله سيأتي في حديث أبي موسى رضي الله عنه، نعم.