أنا ما اشتقتُ إليكِ .. ولم يبعثر الحنينُ قلبي فيذرَ كلًّ جزء منه في ناحية .. ولم أشعر أن الليل بعد بُعدك طويلٌ طويلْ.. كأنما أصابته سكتة قلبية فلم يتحرك منذ زمن !
ولم يختلفْ عليَّ شيءٌ بعد رحيلكْ ، فلم تصبحِ الحياة حالة احتضارٍ مستمرّة مثلا !
ولم تصبحِ الابتسامة كوجوه الموتى خافتةً باهتةً مخيفة !
ولم تصبحِ الأيام تمشي على قلبي بحذاءٍ أسنانه جمـْر تمزِّقُ قلبي وتحرقُه !
كلا ، لم يحدثْ شيء ، كلُّ ما عهدتيه لم يزل كما هو ، كلُّ الذي حصل .. أنْ فقدتِ الأشياء معانيها .. وهو أمر عاديٌّ لا يسلبُ الحياةَ معانيها كما تريْن !
سأكذب عليك فصدقيني ..
كوبـُك الأحمر لا أدري أين هو .. فأنا لم أشرب فيه بعدك الشايَ ولا العصير ولا الماء ولا حتى الهواء !
ولم أضعـْه في صدر مكتبتي أسارقه النظرَ كل حين .. وأتذكرُك ترشُفين منه (القهوة الفرنسية بالبندق) تلك القهوة التي تعشقين .. وأنا أتغزل فيك حين قلتُ : لا أدري من منكما يستلذُّ طعمَ الآخر .. فأطلقتِ ضحكة غزَليّةً سكبـَتْ شيئا من القهوة على فستانك السكـَّري فأبيتُ إلا أن .. أن أشـ .. .. لا .. لا .. لا أتذكر كلَّ هذه القصة حين أنظر إلى هذا الكوب .. إنه مجرد كوب .. لا يملأني النظرُ إليه بذلك الطعم ِ المسكر ..
سأكذب عليك فصدقيني ..
بقاياكِ التي تركتـِـها بالصدفة عمدا .. لم أحتفظ بها بعد رحيلك .. وشاحُـك الذهبي لم أضعْه على وسادتي .. وأمسحُ وجهي به كل ليلة إلى الفجر !
لم أضعه على صدري فأشعرَ به ثقيلا ثقيلا كهجرك .. عـبِـقا عـبِـقا كرائحة جيدك .. ولا أتذكر حين تسحبينه من رقبتك بلطف وخفة لتطوقي به رقبتي قائلة : أيُعجبكُ القيْد الحريري !
لا لا أتذكر كل هذا ..
سأكذب عليك فصدقيني ..
لم أرجع ليلة ً ما إلى غرفتي وقد انفجرتْ ذكراكِ في صدري بعد مكاتمة .. فدمرتْ كلَّ لـبِـنة صبر ، وبقيةَ تجلُّـدْ !
وأبحث عن وشاحك مرتجفا محموما حزينا وجـِلا ً .. ها هو .. ها هو .. على كرسيك الذي من يوم جلستي عليه .. لم يجلس عليه أحد ٌ بعدك .. أخطفه .. أحضنه .. أتنفسـُّـه .. أدفن فيه وجهي .. وأواريني الحنين !
فتجتاحني عاصفة الذكرى .. ويلسعني تيارُ عصبيّ في أنحاء جسدي .. وانهار في نوبة بكاء .. ويستمر النشيج .. ويستمر النشيج .. إلى أن يغلبني النوم على عطر جيدك والأحزان ..
كلا كلا .. كلُّ هذا لم يحدث .. إنما هو مجرد قطعة قماش ..
ما ظننـتـُه يوما أنه بقيـَّـةُ حبيبة .. وبقية حياة .. وبقية لذَّة !
سأكذب عليك فصدقيني ..
لا شيء يدفعني لحُـبِّـك .. صدقيني أيضا .. أنا لا أقصد من هذه العبارة : أنَّ كل شيء فيك يدفعني إلى حبك .. فلستِ تلك الفاتنةَ العينين اللتان تسحران في لمح البصر .. فتـُحيل نـَمـِر التمرُّدِ في داخلي إلى أرنب خضوع !
ولا أشعر حين أنظر في عينيك أنني على حافـَّة الهلاك .. فعيناك الدعجاوان ليستا حتـفا ً .. ربما كانتا حتفا ً يخطف الروح .. ولكنهما ليستا حتفا ً فقط ..
ولستِ تلكَ ذاتَ الشفتين اللعساويْن* ! التي حين تعضين عليهما فكأنما يذوب عليهما الورد أو .. أو يذوب منهما !
ولستِ تلك ذات الصوت الرخيم الساحر الذي يُرعشُ القلبَ قبل أن يصل للأذن ! فحين تتحدثين لا أجد قلبي يرقص مع صوتك رقصة تفوق في جمالها ودقة إيقاعها رقصة الـ(salsa) !
فصوتك ليس بارعاً في هزهزة قلبي من أعماقه إلى آفاقه ، وليس بارعا في أن يُنزل عليه حالة (الزار) في لحظة واحدة !
ولستِ تلك الملَكيّة في مشيتها ، التي تنطق خطواتُها تحتـَها !
فكأنما أيضا ، ترقصُ لا تمشي !
سأكذب عليك فصدقيني ..
أنا لستُ مجنونا بك .. ربما أكون أكبر من مجرد مجنون بك .. ربما أيضا .. أكون مجنونا بك حدَّ التـلـَفْ .. لكنني لستُ مجرد مجنون بك .. وهذا المهم ..
صدقيني أريد أن أكذب في أشياء كثيرة عنكِ ..
سأكذبُ عن قُبلتـِك !
عن ملك الموت المستوطن فيها !
عن تلك الرجفة التي تُرعش أطراف الروح كطفل انتفض من البرد !
ورجلٍ انتفض من الحبّ !
كنتُ سأكذب عن حضنك !
عن حالةٍ تصيب الرجل فيتمنى أنهُ طفلٌ حينها ، لا يسكن غير هذا الحضن !
صدقيني ،، كنتُ سأكذب .. ولكن خشيتُ أن لا تصدقينني !
وخشيتُ الناسْ !
* اللَّعس في الشفاه : هو اللون الأحمر الغامق ، فتنةٌ ذبّاحة ، احذورا منها.