سر الساعة
وفي مثل هذه الأيام – من الربيع – من مدة زمنية لا تحددها سنوات – أو شهور ، أو أسابيع ، أو أيام .. ولا ساعات أو دقائق .. بل ثواني : ثواني كانت تقف عند الجدار الذي علقت به الساعة الكبيرة .
كان في الخمسين من العمر .. يجلس على مقعد متحرك دوار .. يرتدي جلبابا واسعا ، ويغطي رأسه بقطعة من القماش لا تعرف لها شكلا ... ليست مستديرة ، وليست مستطيلة ... تضرب إلى السواد عينان تطلان من تحت منظارين سميكين يمسك بين يديه بكتاب واحد ، وأنت قادم ، أو ذاهب في الليل ، أو في النهار .. بعد يوم أو اثنين بعد أسبوع .. أو شهر وفي أي لحظة تمر به قد تجمد ، ومن خلف ظهره تلتصق ساعة كبيرة مستديرة على الجدار ... هي الأخرى كانت تقف عند تأشيرة واحدة ... فالساعة دوما هي الخامسة إلا خمس دقائق ، وعشرين ثانية .
ذات يوم من أيام الربيع .. جاءته . . جلست إليه .. وبدأت معه الحوار .. لماذا لم يتوقف الزمن عندك ، فيما هو يمضي ، ويلتهم عمرك ..؟ لماذا يذهب الربيع ، ويأتي الصيف ، وينتهي الخريف ، ويبدأ الشتاء ... وتمضي السنة تلو الأخرى ، وأنت قابع بنفس الجلباب ، والنظارتين والحذاء ... والكتاب ؟
هل الزمن كله خمس ساعات إلا خمس دقائق ، وخمسا وعشرين ثانية ؟
وهل العالم كله يتوقف عند كتاب واحد بين يديك عنوانه ( العمر ثانية ) ...
وتوقعت بأنه لن يجيبها ..
ولكنه تنحنح ... وتحرك .. وكانت هذه المرة الأولى التي يفعل ذلك .. ثم جرب .
صوته بكحة خافته .. وكأنه يمرن صوته على الانطلاق ، بعد صمت دام طويلا ..
وقال :
سؤالك الأول لم يكن يدل على استيعاب تام لما يعني مضي الزمن ..
لذلك لن أجيب ، وسأتركك لأنك تخبريني ذلك بنفسك ذات يوم .. أما سؤالك الثاني فهو لم يكن بليغا في مستوى الانتباه الذي وصلت إليه .
أما سؤالك الثالث – فشطره الأول يفتقد التركيز لما يعني هذا التوقيت ، لأنك تفقدين محتوى الساعة ، ودقائقها وثوانيها .. أما فيما يتعلق بشطره الثاني ، فأستطيع أن أقول أن العمر هو ثانية واحدة فقط ، هي هذه التي نطقت فيها ..
وقضى نحبه . . كما تفعل الروايات العربية ....
دهشت .. بحلق عينيها .... هزته فلم يتحرك ....
( حين يصل المرء إلى فلسفة خاصة يقتنع بها ، فهو سيقف عند لحظة استيعابه ، وتقلده لهذه الفلسفة ، ولن يصل إلى تحقيق قيمة ذلك إلا حين يقدر على أن يلفت النظر ، ويستوقف شخصا ما . . فهل هو النجاح؟)
نظرت إلى الساعة ....
وجدتها وقد تحركت ثانية جديدة.........
مستنية ردودكم ويا رب تعجبكم