•
يهتمّ الشبّان بمظاهرهم ، وتولي الفتيات مظاهرهنّ عناية فائقة كجزء من لفت أنظار بعضهم لبعض ،وقد يأتي
الاهتمام بالمظهر الخارجي كصورة من التفاخر والتباهي على الأقران أصدقاء أو صديقات
وإذا سألت أحدهم ، أو إحداهنّ عن السبب في المبالغة بالاهتمام بالمظهر ، يأتيك الردّ : الدنيا مظاهر
إنّ تعبير (الدنيا مظاهر) ينمّ عن حالة ثقافية واجتماعية تولي العناية بالمظهر
اهتمامها الأوّل بحيث يصبح مظهر الانسان لا جوهره هو القيمة
فذو الملابس الفاخرة ، والسيارة الفارهة والقصر المنيف .. إنسان فاخر ، وذات الملابس الزاهية الغالية ،
والزينة المترفة الباذخة من أساور وأقراط وقلائد ، إنسانة من الطبقة الراقية .
ولا بدّ من التنبّه إلى أنّ (الفخر) هناك و (الرقيّ) هنا ليسا حقيقيين وإنّما اعتباريان
أي أنّ الناس وبسبب التخلّف الثقافي يعتبرون المظاهر فخراً ورقيّاً
وقصّة ذلك الرجل الذي دخل إلى مأدبة فلم يأبه به أحد لأنّ الدعوة كانت مخصّصة لذوي المظاهر
وحين ارتدى ملابس فاخرة لفت الأنظار وجذب الاهتمام ، معروفة ،
حتى أ نّه حينما جيء له بالطعام لم يتناول منه شيئاً ، بل قدّمه إلى ملابسه وقال لها : كلي ، فهذا لك فتعجّب
الحاضرون من هذا المشهد الذي يكشف عن أنّ الاهتمام كان منصباً على المظهر وليس على صاحب المظهر .
ولو أردنا أن نعرف حقيقة (الفخر) لقلنا أنّ من حقّ الانسان أن يفخر بقدراته ومواهبه وأفكاره وإبداعاته
ومساهماته في خدمة المجتمع
وأنّ (الرقيّ) الحقيقي هو في النمو المطرد الذي نلحظه على تفكير الانسان
وتعامله أو تعاطيه مع الأشياء والأشخاص والأحداث
إنّ واحدةً من أبلغ رسائل الحجّ التي يقدّمها الاسلام لأتباعه هي أنّ الله لا يعبأ بأشكال الناس وملابسهم ، بل بما
انطوت عليه قلوبهم وسرائرهم ، ورسالة ثوبي الأحرام شبيهة
إلى حدّ كبير بالكفن الذي يلفّ به جثمان الانسان في آخر المطاف
إنّها رسالة تقول للانسان أنّ ما يميِّزك عن أخيك الانسان الآخر هو عملك وعلمك وتقواك ، وما عدا ذلك فلا
قيمة له ولا اعتبار سواء لبست الحرير أو ارتديت الأسمال .وهذا هو أحد جوانب الصورة
أمّا الجانب الثاني ، فإنّنا لا نريد من الحديث عن المظاهر أن نهمل مظاهرنا وأن نرتدي الثياب المرقعة البالية ،
فالزيّ الجميل والنظيف يضيف على حسن الانسان حسناً آخر ،
لكنّنا نؤكد ونركز على الجوهر والمضمون أكثر من التركيز على المظهر والشكل .
فالثياب والزينة ـ حتى الفاخر والغالي منها ـ تبلى وتتغيّر ألوانها وتهبط أسعارها وربّما تسقط موديلاتها ـ إذا
جارينا النظرة إلى الموضة ـ لكنّ أخلاق الانسان وفكره واسلوب
تعامله وشمائله لا تبلى ، بل يمكن أن تتجدّد وتزداد قيمتها مع الأيام ، فالله لا ينظر إلى أجسامنا وأشكالنا
: وأزيائنا وإنّما ينظر إلى قلوبنا ، أي المحتوى الداخلي لكلّ منّا ، وفي ذلك يقول الشاعر
إذا المرءُ لم يدنس من اللؤم عرضه فكلّ رداء يرتديه جميلُ