كنّ... صديقات خمساً، نبتت صداقتهن واشتد عودها فوق مقاعد مدرسة خاصة قضين فيها سنوات الدراسة من الروضة حتى وقفن امام بوابة الجامعة، لم يفترقن في صفوف المدرسة، لكن الفضاء الجامعي فرق بينهن، حين كانت المحاضرات تستدعي ذلك، غير هذا كن دائماً عند المكان ذاته في بؤرة الاهتمام ذاتها، الا ان للحياة الجامعية طعماً آخر، نكهتها خاصة، لها اسرارها كما كان لها شقاواتها ، الاجمل في هذا كله، تلك الاحلام التي صارت متاحة والتي توالدت مع اشراقة كل يوم. بعضها ؟ او اجملها ؟ تلك التي يرسمها اولئك الذين ما كانوا في ساحات المدرسة، لكنهم في الحرم الجامعي، كثير.... انهم شباب!.
ذات مساء تحلقن حول مائدة عشاء خمستهن.
كانت مناسبة خاصة عنوانها ان الفراق قد حان مقدمه، فقد عاشوا منذ ايام اول الفراق عندما غمرتهن فرحة التخريج، فقد حل اليوم الذي خرجوا فيه من بوابة الجامعة باتجاه طرقات الحياة، وطرقات الحياة مشعبة قد لا تلتقي، كان العشاء صيغة اخرى اردوا ان يلونها شيء من الدفء لوداع غير معترف به لكنه يسكن الوجدان فقد كن يغالبن شعوراً، بأن لوناً جديداً للحياة يطل من الافق قد لا يكون على زهو ما رحل من الايام رغم هذا كان الشعار لن تفرق بيننا المسافة... الصداقة أبقى!. اختطلت ثرثرة عاديةئ باليات تناول الطعام، حتى اذا ما انتهى هذا الواجب ران صمت امتد لزمن كأنه كان يريد ان يبني موقفاً عاطفياً حزيناً حين ادركت احداهن ذلك قطعت الطريق على الزمن بسؤال ارادت ان يبدو عفوياً، لكنه كان يسكن الوجدان : ثم ماذا بعد ؟ سألت. عند هذا المفصل في حياة البنت تتداعى احلام ولأن لكل زمان احلامة ، فان ما تحلم به بنات الآن لن يتطابق مع ما حلمت به ذات يوم بنات زمان هناك احلام بنات تصوغها معطيات الآن لكن تدينها قيم زمان كأن هذا كان شاغل احداهن حين قالت :.
تعالوا نحلم بما ستسعى اليه كل منا... منذ الآن!.
-الاولى قالت : حلمي ملامحه واضحة، الزواج أولويتي تعرفن اننا اتفقنا انا و ... على ان يكون التخريج نقطة الانطلاق نحو تتويج علاقتنا بالنهاية السعيدة كما في الافلام العربية الا اننا سنكون اكثر واقعية لابد من عمل لكلينا القبض عليه يفتح امامنا افاق الوصول الى بيت الزوجية.
- الثانية تنهدت : لا احلام، بل وقائع تقول على ارض الواقع حولي اكثر من قريب طامع بالقرب كان واهله ينتظرون يوم الفرج، يوم التخريج، اتحسس حراكا بدأ منذ ايام هناك مشروع يتم اعداده في الافق، رغم انني موضوع المشروع لا احد تكرم و خاطبني انا علىئئيقين بان الجاهة ليست بعيدة عن باب المنزل، املك حق النقض وان كنت افضل العمل ولو لعام واحد بعده فلتفضل الفائز بالجائزة، على أي حال الخيارات المتاحة كلها جيدة ليست بعيدة جدا عن فتى الاحلام،الحسم عند النصيب!.
الثالثة كانت بلهفة تنتظر : الغربة مشروع الغد، قدر واضح واكيد لا بل انها اكثر من حلم فالغربة قريبة جداً من الواقع والحديث عنها تكرر منذ ايام، وزاد قرباً منذ ايام التخريج واظن ان هذا الصيف سوف يحمل الحسم أمامي خيارات ثلاثة كل خيار يحمل عريساً مغترباً وراء البحار القرار لي، وما لم اقله لكنّ، صيف العام الماضي حمل زيارات المغتربين، حسم الامر، احدهم سيأخذني على صهوة جواده لقد اخترت.
- اما الرابعة : انا لن اخرج من بوابة الجامعة، سأعود اليها، لا زواج في الافق ولا حاجة لوظيفة، هناك اتفاق اسري على ان استكمال الدراسة الى مداها خيار صائب، ما الذي يمكن ان يحدثئ اثناء هذا طارئ يمكن التعامل معه بما تمليه الممكنات لا تعطل مشروع استكمال الدراسة.
- على غير رغبة في المشاركة، تململت الخامسة بعد صمت قالت :
- رغم كل الذي عشتنه، وتعلمتنه، وشاهدتنه، ما زالت المرأة التقليدية تسكن اعماق كل واحدة منكن، امركن عجيب غريب، اهذا الذي حلمتن به طموح ابنه القرن الحادي والعشرين...؟!.
لم تغادرن قوقعة المرأة الام الزوجة ربة الاسرة عاملة السخرة من اليقظة حتى المنام العالم تغير، هناك مفاهيم سقطت امام زحف مفاهيم جديدة بعناصر حياة جديدةئ الا ترين ان اهم عناصر الحياة الآن صار المال اذا توفر صار كل شي ممكنا مهما غلا ثمنه...
انا... لن ابحث عن وظيفة تستعبدني... لن اسمح للدراسة بعد باغتيال حياتي... لن اتوه في غربة تأسرني... لن اقبل زوجا وأسرة لخدمتها تسخرني...
انا... سأنتظر المليونير، سأبدأ البحث عنه منذ الآن... لن اقبل بغيره.
هي توقفت تنتظر... لكن الزمن لم يتوقف.
خمس سنوات مضت، التقت ثلاث منهن احتفالاً بدرجة الدكتوراه لاحداهن الاولى شاغلها طفلها ابن السنتين.
الثانية سألت ثالثتهن : ما زلت تنتظرين المليونير.
لم تنتظر جواباً... فالجواب كان مكتوباً على جبين الزمن.