فلسفة .. !!
لم استيقظ كعادتي كل صباح .. أتثاءب قليلاً ثم أفتح نافذتي الخشبية ذات المسامير البارزة والتي دائماً ما أهمل ثني حافتها الحادة كسلاً مني..، ثم أرتب غرفتي وأتجه للحمام وبعدها أرتشف قهوتي وفطوري وأتجه لعملي..
لم يكن هذا الصباح معتاداً ككل صباح، فيقظتي من النوم لم تكن عادية إذ صحوت فجأة وأنا أشعر بألم شديد في ذراعي اليمني، أمسح عينيًّ وأدقق النظر فيها ليفاجئني احمراراً شديداً عليها وتورماً واضحاً ..!!
كنت مدهوشاً مما حدث لذراعي وزادت دهشتي وحيرتي حينما وجدت الاحمرار يشتد والحكة تشتد وألمي يتضاعف..
توجهت نحو حمامي وغمرت ذراعي بالماء البارد معتقداً بأني قد نمت عليها وحينما دققت النظر أكثر اكتشفت وجود جرح بسيط كثقب الإبرة حينها تأكدت بأن الأمر يحوي بداخله سراً ما .. ما الذي حديث ..؟! نشفت ذراعي ثم لففتها بشاش وسرعان ما أزحته عنها بسبب الألم الحادث فيها فما كان مني سوى أن غيرت ملابسي وقررت التوجه نحو عيادة الطبيب لمعرفة سر هذا الاحمرار..!!
وبينما أنا في طريقي للطبيب صادفت أحد جيراني الذي سلَّم عليَّ بحرارة كعادته وما هي إلا دقائق من الحديث حتى شدة ما بذراعي، وكان أن زاد من مخاوفي حينما أبدى لي شكوكه بأن سبب هذا الاحمرار والتورم ما هو إلا نتيجة لدغة حشرة ما .. وحينما رأي النحو ف في عينيَّ قلل من شكوكه في الأمر وقال بلهجة مقتضبة ..
لا تخف يا رجل ربما .. أنا أقول ربما لعل العنكبوت لم تكن سامة لا تقلق.. صحيح أنها انتشرت مؤخراً في مدينتنا ولكن لا تقلق اذهب لطبيب الأعشاب فأكثر اعتقادي أنها عنكبوت أتمنى ألا تكون سامة..!!
وتركته وأنا أضرب أخماساً بأسداس .. عنكبوت .. ؟! وسامة ..؟! وفي المدينة متى وكيف حدث ذلك .. ؟ هل أنا في حلم ..!! سارعت بخطاي حتى الطبيب والنحوف قد ملأ نفسي وأفقت من صدمتي على أحد زملائي الذي سرعان ما لحظ وجومي وقلقي فأريته ذراعي وحينها تبدلت ملامح وجهه من الابتسام إلى الإهمال والنحوف الواضحين وكان أن زف إليَّ الخبر الأسوأ ..
صدقني أنا متأكد بأن هذه لدغة أفعى صغيرة لقد حدث ذلك لأخي لذلك سارع إلى الطبيب قبل أن يمتد السم إلى جسدك كله..!!
تركته وأنا أشعر بالسم يسري في عروقي بدوار بسيط لكنه يكاد يعصف برأسي حتى ليجتزه من مكانه ، وسحب بيضاء تخفي عن عينيَّ معالم الطريق..
ترى هل بدأ مفعول السم يسري في جسدي..؟! يا الله .. يجب أن استحث خطايَّ وأقاوم السم .. يجب أن أسرع .. لماذا طالت المسافة حتى الطبيب.. ؟! هل بطأت قدمايَّ عن السير بسبب السم..؟ هل أغادر هذه الدنيا بهذه البساطة وبهذه السرعة ..!! يا الله أرحمني فمازال فيَّ نبض أحسه ويجب أن ..
- هيه .. هيه .. ألا ترى أمامك..؟
- آسف .. آسف..
- آه.. أنت.. كيف حالك ؟ لماذا أنت في عجلة من أمرك..؟ !
- أعتذر يا سامي فقط أنا مريض لديَّ لدغة في ذراعي يقول جاري أنها لأفعى ويقول زميلي إنها لعنكبوت سامة.. أعتذر منك يجب أن أتركك الآن وأتجه للطبيب قبل أن يفتك السم بي..
لكنه لم يتركني حتى أريه مكان اللذعة فما كان منه إلا أن فغر فاه عن صيحة مرعبة وسارع بالقول..
- يا غبي أنت وزملائك هذه لدغة عقرب أسود سام .. ألا تفرقوا بينها وبين لدغة العنكبوت والأفعى ؟! على كل حال لا تقلق مادمت في وعيك فأسرع قبل أن يغمى عليك هل تحب أن أرافقك ..؟!
تركته وأنا في حالة يرثى لها .. هل كنت لأستوعب الأفعى والعنكبوت لأفاجأ بعقرب أسود سام أيضاً .. آه .. يا إلهي .. مالي ولهذه الحشرات السامة ؟ !
كما صار لي من الوقت وأن أسير .. ؟ ! وأخيراً .. العيادة ، دخلتها مسرعاً وأنا ألهث وطلبت من الممرضة أن تدخلني عنوة قبل الجميع مهدداً أيها بأني لومت فأنها المسئولة..!!
وما هي إلا لحظات حتى استقبلني الطبيب هادئاً في كرسيه وأنا مضطرباً وهلعاً في كراسيي فمددت له ذراعي ولم أستطع أن أهدئ من أنفاسي المتلاحقة فما كان من الطبيب سوى أن أحضر لي كوباً من الماء ثم تفحص يدي وقال : متى حدث ذلك ؟
- منذ ساعة .. منذ الليل يا دكتور لقد لدغني عقرب أسود سام.. عفواً .. بل أفعى صغيرة سامة .. لا ..لا.. أعتقد بأنها عنكبوت سامة .. أجل .. ولقد بدأ السم يسري في عروقي و …
- ولم يعرني الطبيب أي اهتمام يذكر بل أخذ حقيبته الطبية وأخرج منها مطهراً وحقنني بحقنة ثم طهر جرحي وقال بعد أن ربط ذراعي.. لا تقلق .. لا يوجد ما يدعو للخوف، لم تكن لدغة لأي حشرة مما ذكرت، كل ما في الأمر مسمار .. حافة مسمار حادة اخترقت ذراعك وسببت لك هذا الاحمرار والتورم والألم الحمد لله على سلامتك..!!
- خرجت من عيادته .. واختفى الدوار الذي توهمته وتلاشت السحب التي تجمعت في عينيَّ وذهب السم أدراج الرياح وظللت أنظر لذراعي الملفوف بالشاش بشيء من الدهشة والاستغراب .. آه .. لا عنكبوت .. ولا عقرب .. ولا أفعى ولا سم ، بل الأمر من كل هذا أن لا حشرة في الموضوع.. ويحكم من أصدقاء أغبياء يدعون الفلسفة والعلم بالأمور.. كادوا يودون بحياتي دونما سم بكلامهم المسموم والعجيب ثقتهم المطلقة في أمر اللدغة .. !! تباً لهم ولمن يستمع لأقوالهم..
وعادت هواجسي تلازمني مجدداً .. ، مسمار .. !! متى وكيف حدث هذا الأمر .. ؟! لقد كنت نائماً..!!
فما كان مني سوى العودة للمنزل .. وظللت ألمح غرفتي يميناً وشمالاً بطرف عيني حتى استقرت على نافذتي ذات المسامير البارزة والتي كسلت عن ثني حافتها الحادة..
ويلي من رجل أحمق ، كيف لي أن أنسى ليلة أمس حينما سمعت صوتاً ينادي باسمي من أسفل النافذة ففزعت من نومي وهرعت مسرعاً نحو النافذة وفتحتها وكان الجرح دون أن أشعر .. ولم أكن أخيراً المقصود بالنداء ، أغلقتها وعدت لسريري أتابع نومي بجسدٍ منهك غير مدرك لما سيؤول إليه صباحي السام..!!