تاريخ التسجيل : 23/08/2009 العمر : 57 الموقع : wild-flower.ahlamontada.net
موضوع: نبقى نقبل الشمس الأربعاء ديسمبر 09, 2009 11:38 am
نبقى نقبِّل الشمس
يحكى أنه في عصر من العصور الإنسانية، عاشت أمة صغيرة بسلام ومحبة، إلى أن جاء أحد من أفرادها يوما بنظرية جديدة حول الطريقة التي تضحك بها الأمة، حيث أكد أن الدنيا تتطور وهم مازالوا على ضحكتهم قائمين. اقترح هذا الفرد أسلوبا وشكلا جديدا للضحك، يعتمد على تحريك أحد زوايا الفم، ما أثار غيرة بعض أفراد الأمة، وحفزهم على التفكير، فاعترض ثان على نظرية الأول، مؤكداً أن الضحك يجب أن يعتمد على الشفايف فقط. فيما أكد ثالث أن دراساته وأبحاثه تؤكد أن الضحك يكون بفتح الفم ملء الشدقين.. وأصر رابع على أن الضحك غير مهم أساساً، وأضراره أكثر من فوائده. اجتمع حكماء المدينة مستائين من هذا الاختلاف، الذي اعتقدوا أنه يشكل خطرا على سلامة الأمة ووحدتها.. وخطرا أكبرا على نهجهم القوي في إدارة الأمة. قرر الحكماء توصيف نوع واحد من الضحك يعمم على الجميع.. إلا أن أفراد الأمة اختلفوا في فهمهم للتوصيف وتطبيقه، فقرر الحكماء أن الحل الأكثر أمناً وتأثيرا هو صنع أقنعة بلاستيكية ترسم عليها الضحكة المعتمدة من الحكماء كي يلبسها الناس الى أن يعتادوا الشكل الصحيح للضحكة. بعد فترة، ولأن أفراد الأمة لم يستطعوا ضبط شكل الضحكة المقررة، تم تعميم الأقنعة إلزامياً في الشوارع وفرضا واجباً للمخلصين للأمة في داخل البيوت، فالتزم الناس بها، على الرغم من حالات الاختناق والحكة والحساسية التي سببتها وفاقمتها الأقنعة، لشعورهم بالولاء للأمة ولخشيتهم من غضب الحكماء. بعدها قرر الحكماء إلغاء نظام الأسماء في الأمة، حتى تكون الوحدة عميقة بين الأفراد والمساواة قائمة إلى آخر تفصيل في حياتهم، فصدر قرار بتصنيف الأمة الى صنفين، الصنف «ألف» الذي يسكن غرب المدينة والصنف «باء» الذي يسكن شرق المدينة، حيث قام كبير الحكماء برسم خط بالحبر الدائم في منتصف المدينة حتى يتضح الحد الفاصل بين شرقها وغربها، ومن ثم أُعطي كل فرد رقماً، فأصبحت أسماء الأفراد تتكون من حرف يدل على الموقع، ورقم يدلل على الأقدمية، فبات هناك المواطن «ألف ثلاثة» وآخر «باء سبعة عشر» وهكذا.. هذا، وقد صُبغت أقنعة الشرقيين بالأخضر، فيما أخذت أقنعة الغربيين اللون الأحمر حتى يتمكن أفراد الأمة من معرفة من ينتمي إلى هذا الجانب من الخط أو ذاك. بدأت بعدها المناوشات تظهر بين الخضر والحمر، إلا أن الحكماء قمعوا هذه المناوشات بيد من حديد، معيدين استتباب الاتفاق الكامل بعدما أصدروا فرماناً قهرياً ينص على منع الاختلاف والخلاف، وأي فعل ينتهي اسمه «باللاف». مرت الأيام رتيبة على قوم تلك الأمة، إلى أن صحوا من نومهم في أحد الأيام وقد اكتشفوا أنهم لم يعودوا يتذكرون أشكال بعضهم بعضا إطلاقاً. نسي الأب شكل ابنه، ولم تعد الجارة تتذكر لون عيني جارتها. منذ ذلك الحين، تراكم النسيان فوق ذكريات الأمة، إلى أن أصبحت أمة من دون ذكريات، من دون ماض، ومن دون حاضر. بسبب غياب الماضي والحاضر، لم يعد الناس يفكرون في المستقبل، ومع الوقت لم يعودوا يفكرون مطلقاً، تاركين تلك المهمة لحكماء الأمة الذين بقيت وجوههم وحدها مكشوفة ومحفورة في الأذهان. مع مرور المزيد من الوقت، أصبح لوجوه الحكماء المكشوفة قيمة سلطوية وأسطورية كبيرة، أوصلتهم إلى مصاف درجة الألوهية، حيث نسي الناس سبب تغطية وجوههم وبقاء وجوه الحكماء مكشوفة، وأرجعوا تلك الظاهرة لعظمة الحكماء وحكمتهم وأخيراً.. ألوهيتهم. فعبدهم الناس وترنموا بفضائلهم وجمالهم صبح مساء، وخصوصاً أن وجوه الأمة المغطاة تشوهت من ثقل القناع البلاستيكي وتغضنت، فلم يعد أحد يرغب في رفع قناعه، أو في رؤية الوجه المشوه لغيره.. في حين بقيت وجوه الحكماء جميلة وصافية. وفي أحد الأيام، فشت إشاعة قوية في البلد عن انتشار مرض خطير من أهم أعراضه هلوسات عنيفة يكرر خلالها الناس جملا متشابهة اختُزلت فيما بعد إلى كلمات متقطعة، ثم أصبحت مجرد همهمات كأنين حيوان جريح. جيء بالأطباء من مشارق الأرض ومغاربها، إلا أن الأمة غرقت في همهماتها التي انتهت إلى خرس تام. لم يعد لدى الأمة ما تقوله بعد أن تشابهت وجوههم وتشابهت أيامهم وتطابق مستقبلهم مع ماضيهم وحاضرهم، لم يعد هناك ما ينتظرونه، لم يعد هناك ما يخططون له، لم يعد هناك ما يفكرون فيه. زهد الناس في كل شيء حتى زهد بعضهم ببعض، فهجر الأزواج الزوجات، وأدارت الزوجات ظهورهن للأزواج، وعلى كل، فمن هذا الذي يرغب في تبادل الحب مع نسخة طبق الأصل من نفسه، تهذي وتهمهم كدب جريح؟ من ذا الذي يرغب في احتضان صورة أخرى بلاستيكية عنه لا تنطق أو تعبر أو تشعر؟ توقف الناس عن تبادل الحب، وتوقف توالد الأطفال، واختفت الأمة عن وجه الأرض دون أثر يذكر، حيث دفن أفرادها الواحد تلو الآخر مع أقنعتهم، فتلاشى كل أثر لهم، وانتهوا غير مأسوف عليهم. أجرنا يا رب السماوات.
???? زائر
موضوع: رد: نبقى نقبل الشمس السبت ديسمبر 12, 2009 11:51 am
لا تعليق فبعد هذا الموضوع لا نستطيع التعليق جمل الموضوع وهدفه وطريقة عرضه هو ابداع بكل المقايس واى تعليق مهما كان ومهما يحمل من كلمات جميله لا يليق بجما الموضوع تقبلى فائق احترامى وتقديرى لكل كلمه تخرج من بين يديكى بكل هذا اللذكاء والرقى