[b][center] الخيانة
يقول الحق سبحانه وتعالى:{ ولا تجادل عن الذين يختانون أنفسهم ٬ ان الله لا يحب من كان خو انا
. أثيما} النساء 107
يأمر الله سبحانه وتعالى بعدم المجادلة عن الذين يختانون أنفسهم ٬ والجدل من الفتل ٬ فالانسان حين
يفتل شيئا كأن يحضر بعضا من الشعر والصوف أو الليف ويجدله ليصنع منه حبلا فانه يفتل هذا
الغزل ليقويه ويجعله يتحمل الشد والجذب ٬ ولذلك يقال عن مثل هذه العملية : اننا نجدل الحبل لنعطيه
قوة. فكذلك شأن الخصمين كل واحد يريد أن يقوي حجته ضد الآخر فيحاول جاهدا أن يقوها بما يشاء
من اساليب العقل أو الفصاحة.
والقرآن حين يعدل عن يخونون أنفسهم الى { يختانون أنفسهم} فلا بد أن لهذا معنى كبيرا, ان الخيانة
هي أخذ ما ليس بمستحق ٬ أي بغير حق ٬ وقد تسو ل للانسان نفسه أن يخون غيره لكن هل من المقبول
أن يخون الانسان نفسه؟!
ان الانسان قد يخون من أجل مصلحة نفسه ٬ لكن لا يخون نفسه.
وعلينا ألا نأخذ المسألة بعجل أثر الخيانة ذلك لأن الانسان حين يريد أن يعطي لنفسه شهوة عليها
عقوبة فهذه خيانة للنفس ٬ لأن الانسان في مثل هذه الحالة أغفل العقوبة عن الشهوة؛ ان الشهوة عابرة
لكن العقوبة باقية وهذه خيانة للنفس.
الانسان الذي يخون الناس انما يخون نفسه فاذا ما خان الانسان نفسه فهي عملية ليست سهلة وتتطلب
افتعالا ٬ ومن هنا جاء قول الحق سبحانه:{ يختانون أنفسهم} لأن في ذلك عملية افتعال للخيانة ولذلك
قال الحق سبحانه:{ ولا تجادل عن الذين يختانون أنفسهم ٬ ان الله لا يحب من كان خو انا أثيما}.
ثم قال الحق بعد ذلك:{ ا نا أنزلنا اليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله ٬ ولا تكن للخائنين
. خصيما} النساء 105
قال الله سبحانه وتعالى:{ للخائنين} ولم يقل خو انين لماذا؟ ان الخائن تصدر منه الخيانة مرة واحدة ٬
أما الخو ان فتصدر منه الخيانة مرات متعددة. أو يكون المعنى: هو أن الخائن تصدر منه الخيانة في
أمر بسيط ٬ أما الخو ان فتصدر منه الخيانة في أمر كبير.
اذن ٬ فمرة تأتي المبالغة في تكرار الفعل ٬ ومرة تأتي في تضخيم الفعل أي عندما نقول: فلان أكول
وفلان أكال هذه مبالغة في اكل وأكول وهي مبالغة تكرار الفعل فالانسان العادي يأكل ثلاث مرات
والأكول يأكل عشرات مرات مثلا. وقد يكون من الآملين لوجبة واحدة ولكنه يأكل أضعاف ما يأكل
الانسان العادي اذن ٬ فالمبالغة هنا تكون في تضخيم نفس الحدث أو في تكرار الحدث.
ان من لطف الله أنه لم يقل خائن ٬ لأن الخائن هو من خان لمرة ٬ وقد تكون عابرة وانتهى الأمر. ولم
يخرجه الله سبحانه عن دائرة الستر والحب الا اذا أخذ الخيانة طبعا ومادة وحرفة وأصبح خو انا ٬ ولذا
قال الله سبحانه وتعالى:{ ان الله لا يحب من كان خو انا أثيما}.
وقد جاءت للخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه امرأة أخذ ولدها بسرقة وأراد عمر ان يقيم على
هذا الولد الحد ٬ وجاءت الأم تبكي وقالت: يا أمير المؤمنين ٬ والله ما فعل هذا الا هذه المرة ٬ قال عمر:
كذبت والله ما كان الله ليأخذ عبدا من أول مرة! ولذلك يقولون: اذا عرفت في رجل سيئة انكشفت
وصارت واضحة فاعلم أن لها أخوات سابقات لها ولا يمكن أن يفضح العبد من أول سيئة ٬ لأن الله
سبحانه يحب أن يستر عبده ٬ لذلك يستر العبد مرة وثانية ثم اذا استمر العبد في السيئة وأصر عليها ٬
فضحه الله وكشف ستره.